لم يجد أحد الظرفاء غضاضة في سرد طرفةٍ من أيام «العهد الاشتراكي» السابق، للتعليق على ما جرى في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والتصريحات التي رحّبت بانعقادها، حتى لو لم تنتهِ بانتخاب رئيس.

تقول الطرفة «إنّ حكومة إحدى الدول الاشتراكية سابقاً أعلنت عن تأسيس تعاونية كبيرة تحاكي «المولات» في بلاد الغرب، وملأت أخبارها وسائل الإعلام الرسمية كافة. وقد فرح مواطن في تلك الدولة بهذه التعاونية وقرّر تجريبها بنفسه، فذهب إلى مبناها في ساحة العاصمة ودخل إليه ليجد موظّفة استقبال أنيقة المظهر ترحّب به، فسألها: هل يمكن أن أجد فرّوجاً لديكم؟ هزّت الموظفة رأسها قائلة: طبعاً، ولكن قسم الفراريج يقع في الطبقة الأولى».

صعدَ الرجل الى تلك الطبقة وقال للموظف هناك: أريد فرّوجاً» فسأله الموظف: «أتريده حيّاً أو مذبوحاً؟»، فردّ: «طبعاً أريده مذبوحا؟ فقال له: «الفرّوج المذبوح موجود في الطبقة الثانية». فصعد إلى تلك الطبقة سائلاً عن الفرّوج المنشود، فأجابه الموظف هناك: «أتريده منتوفاً أم بريشه؟ ولما أجابه: «أريده منتوفاً»، قال له: «الفرّوج المنتوف موجود في الطبقة الثالثة».

حمل الرجل نفسه وصعد إلى الطبقة الثالثة ليُفاجَأ بسؤال: «هل تريد الفرّوج المذبوح المنتوف جسماً واحداً، أم تريده مقطّعا؟»، فقال: «أريده مقطّعاً طبعاً». فقال له الموظّف: «الفرّوج المقطّع في الطبقة الرابعة». فذهب إلى هناك وقد بدأ اللهاث يسيطر عليه، ولما أعاد طلبه بكلّ أوصافه، قال له الموظف في هذه الطبقة: «مطلوبك موجود في الطبقة الخامسة». وصل صاحبنا مقطوع الأنفاس إلى هناك وبالكاد استطاع تحديد طلبه: «فرّوج مذبوح منتوف، مقطّع»، فقال له الموظف: «تريده مع خواصّه أو من دونها». فردّ: «طبعاً، مع الخواص». فقال له: «مطلوبك موجود في الطبقة العلوية».

وصلَ الرجل إلى الطابق العلوي وبالكاد استطاع تحديد طلبه بكلّ المواصفات، فأجابه الموظّف معتذراً والابتسامة رقيقة على محيّاه: «آسف سيّدي، ليس لدينا فراريج؟». لكنّ هذا الموظف حين فوجئ باستغراب الزبون، قال له: «صحيح ليس عندنا فراريج، لكن أليس عندنا نظام». وهكذا خرج المواطن ليشوي النظام ويقليه ويتغدّى منه.

وأضاف الرجل الظريف: «كلّ شيء كان مرتّباً في جلسة الانتخاب أمس إلّا الرئيس، فالمرشّح «القوي» غاب عن التصويت، والمرشّح «الطموح» لم ينَل إلّا أصوات نحو ثلث أعضاء مجلس النواب تقريباً، فيما المطلوب لفوزه الثلثان. وفور إعلان النتيجة هرولَ النوّاب خارجين من قاعة المجلس خوفاً من دورة ثانية في الجلسة نفسِها، فيما كان أنصار رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يحسبون الأصوات صوتاً صوتاً ليعرفوا من هم النوّاب الذين «غرّدوا خارج السرب»، وليكتشفوا أنّه إذا كان مسموحاً لـ»الحكيم» دخول نادي المرشّحين للرئاسة، فليس مسموحاً له دخول نادي الرؤساء. وخرجت الأوراق «القانية» تذكّر اللبنانيّين بمآسٍ ما زالت تحفر في صدورهم.

ويعلّق سياسيّ مخضرم فيؤكّد أنّ السباق الرئاسي قد بدأ بعد جلسة الانتخاب، على عكس ما كان يجري في السابق، حيث كانت تحطّ رحال المتسابقين في جلسة الانتخاب. ولعلّ هذه السابقة ستسجّل في تقاليد الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وسيتعامل معها المرشّحون المعلنون والكامنون بأنّها «بروفا» تشبه «بروفات» المسرحيات قبل عرضها للجمهور.

لم يعطِ جعجع نفسه فرصة لدرس النتائج، بل أعلن بعد لحظات من إعلان الارقام النهائية أنّه ماضٍ في ترشيحه للدورة الثانية، ليكمل بذلك مسيرة الإحراج للحلفاء، بعدما أحرجَهم بترشيح نفسه على رغم معرفته بالتعقيدات المتعدّدة التي يواجهها هؤلاء الحلفاء، فهو لم يراعِ مثلاً أنّ بين أقطاب 14 آذار من يعتبر نفسه مرشّحاً للرئاسة، فتجاوزَه بصراحة معلناً أنّه الرئيس القوي الأكثر تمثيلية بين مرشّحي 14 آذار.

وأحرج جعجع حلفاءَه الآخرين، ولا سيّما منهم الرئيس سعد الحريري، حين اضطرّه الى إعلان تأييده لمرشّح محكوم بجريمة اغتيال رئيس وزراء، فيما قضية الحريري الكبرى تقوم على محاسبة من اغتال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهو رئيس وزراء أيضاً.

حتى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الحريص على الإمساك بالعصا من وسطها منحَه إصرار جعجع على ترشيح نفسه فرصة إعلان مرشّح خاص به هو النائب هنري حلو مستقطباً عدداً من النوّاب، ليعلن نواة كتلة وسطية تضمّ 16 نائباً بينهم نوّاب من طرابلس وزحلة، بالإضافة الى نواب «اللقاء الديموقراطي»، وأكثريتهم من جبل لبنان. لا بل إنّ جنبلاط نجح أيضاً في ترشيح حلو فأحرجَ نوّاب «اللقاء» الذين انفصلوا عنه قبل 3 سنوات.

ويبدو أنّ جعجع، وهو في غمرة الحرص على انتزاع لقب المرشّح الرئاسي، لم يستطِع قراءة ما يجري حوله في الميدان السوري وفي العلاقات الاقليمية، وكذلك في حفلات الغزل بين قوى كانت متخاصمة حتى وقت قريب، وهي الحفلات المتنقلة بين باريس والرياض ومقرّ وزارة الداخلية، حيث امتلك وزير الداخلية نهاد المشنوق، المحسوب على صقور «المستقبل»، الجرأة في استضافة قياديّ في «حزب الله» هو الحاج وفيق صفا، في اجتماع أمنيّ رسمي، وفي سابقة غير معهودة في العلاقات الرسمية اللبنانية.

بعض عارفِي جعجع يقولون إنّه ليس غافلاً عمّا يدور حوله، ولكنّه أراد أن يكشف الخفايا الجارية وراء الكواليس وأن يضرب رِجله في الأرض ليقول: «إمّا أن أكون رئيساً أو أصبحَ زعيماً لا يمكن أحداً أن يتجاهلني في المعادلات المقبلة؟».

وبلا شكّ أنّ جعجع، وإنْ خسر الرئاسة في دورتها الأولى، فإنّه ربح صفة المرشّح الرئاسي الذي يطمح إلى أن يكون واحداً من الأسماء التي لمعت في السياسة اللبنانية كنجوم ساطعة في السباق الرئاسي، وإن لم تصل إلى الرئاسة، وفي مقدّمها زعيم الكتلة الوطنية العميد ريمون إدّة والزعيم الجزيني جان عزيز والزعيم الشمالي حميد فرنجية.

فماذا تخبّئ الأيام للبنان ولمرشّحي الرئاسة الذين يتبارون في إخفاء ترشيحاتهم علناً ويعملون في الخفاء ليلاً ونهاراً لكي يفوزوا بسدّة الرئاسة الأولى؟