الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لم يعد يقف على ضفة النهر بانتظار مرور جثة عدوه بل ابتعد عنها خوفاً من فيضان النهر الذي قد يجرف معه آماله وامانيه، لذا فهو منذ خروجه من عباءة «ثورة الارز» لا يرسو على بر لانه يخاف من عدم الوصول الى «بر الامان» الذي ينشده لطائفته اولاً وللبنان ثانياً حسب مصادر وسطية.

وهذا الامر يبدو جلياً من خلال الهدوء والسكينة الذي يعيشها الجبل الدرزي على الرغم من الاختلاف في الاهداف بينه وبين المير طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب، الا ان مصلحة الدروز هي فوق كل اعتبار.

من نافل القول وفق هذه الاوساط ان «ابو تيمور» هو لاعب اساسي على الساحة الداخلية، فهو الذي اسهم في الاتيان بالرئيس نجيب ميقاتي الى الحكومة فقطع شعرة معاوية مع الرئيس سعد نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعدما ذرف الدموع حرقة على غيابه، واشارت الاوساط الى ان جنبلاط طباخ ماهر يعد الاطباق الدستورية والسياسية بالتكافل والتضامن مع صانع الحدث رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بحيث ان بصماتهما تظهر في كل حدث.

البارحة وللمرة الاولى لم يكن للنائب جنبلاط الصوت المرجح في اختيار رئيس الجمهورية خصوصاً ان مرشح الكتلة الجنبلاطية النائب هنري حلو نال 16 صوتاً مقابل 48 صوتاً لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع و52 ورقة بيضاء وصوت للرئيس الجميل و7 اوراق ملغاة، فما كان الهدف الذي سعى اليه جنبلاط من هذا الترشيح، لا سيما وانه على يقين تام بعدم فوز حلو بكرسي الرئاسة الاولى فما هي الورقة المطوية التي يحملها زعيم المختارة في جيبه؟

مصادر مقربة من جنبلاط اكدت ان موضوع ترشيح زعيم المختارة للنائب هنري حلو ليس مناورة وهو منطلق من حسابات سياسية دقيقة وواقعية تأخذ بعين الاعتبار مجمل الظروف التي تحيط بالاوضاع في لبنان، ولناحية التموضع السياسي الوسطي الذي يتواجد فيه النائب جنبلاط والجبهة، ولاسباب اخرى تتعلق بنوعية المرشحين للرئاسة في الاطراف المختلفة مع الاحترام الكامل للدكتور جعجع والجنرال عون وغيرهما من المرشحين، لان الخارطة السياسية التي يتواجد فيها الافق اللبناني حالياً، توحي بأن هؤلاء المرشحين قادرين على الوصول الى سدة الرئاسة، والاقتراع الذي حصل امس يؤكد على هذه المقاربة، وهي ان هناك انقسام عامودي حاد بين قوى 8 و14 آذار، لا يسمح بوصول شخص قيادي من الصف الاول من الطرفين، وبالتالي المطروح ان يتم التلاقي في منتصف الطريق، لذا فان ترشيح النائب حلو أتى انطلاقاً من هذا الامر لأن حلو على المستوى الشخصي هو انسان وسطي ومعتدل ومحاور ويكن الود للقوى السياسية كافة، بما في ذلك القوات اللبنانية و«التيار الوطني الحر» وهو ليس على خصام مع احد وهو يعبر عن الحالة الوسطية التي يتموضع فيها النائب جنبلاط، والتي تساهم في عدم تكريس الانقسامات في البلاد نتيجة الظروف التي تحيط بالبلد.

واشارت المصادر الى ان ما حصل البارحة يعطي فرصة للنائب حلو ان يكون مرشحاً جدياً وليس كما قيل انه فقط ترشيح للمناورة، وهو ليس موجهاً ضد اي طرف وتحديداً على الساحة المسيحية وهو ليس مرشحاً استفزازياً للساحة المذكورة، بل بالعكس فالامر يراد منه اعطاء قوة لموقع رئاسة الجمهورية، التي هي لكل لبنان ومهما كان انتماء الرئيس فعند انتخابه سيكون للجميع وفوق الجميع ولن يتبع احد.

وعن تشبيه ترشيح حلو لترشيح انطوان الاشقر عام 1988، اكدت المصادر ان الظروف اليوم مختلفة خصوصاً ان الاشخاص مختلفون وترشيح الاشقر كان ردة فعل سياسية على التعصب الذي كان حاصلاً اثناء فترة الاحداث، وترشيح حلو هو جدي خصوصاً انه من عائلة عريقة وحريصة على لبنان.