التاريخ يصنعه الكبار ذوو الإرادات الطيبة. وللتاريخ، نقول: أنتم يا صاحب الغبطة، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، كنتم وما زلتم، صوت الضمير الوطني الواعي، منذ أن إرتقيتم السدة البطريركية.

مئات العظات والمواقف أطلقتموها لتحذروا من مغبة المغامرة بمصير رئاسة الجمهورية. وواكبناكم، كما العديد من المخلصين، بمئات المقالات التي تدعو الى إعلاء المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر.

وكنتم تراهنون دائماً على أن أحداً في لبنان لن يصل به الأمر الى حدّ المغامرة بوطنه، فما من فئة لبنانية أو طائفة لها ملاذ آمن في هذه البقعة من العالم سوى لبنان. وأننا كلنا، بلا لبنان - لا سمح الله - نصبح كالأسماك خارج الماء.

لكنكم اليوم تشعرون بالأسى، ونحن وكثيرون مثلكم نشعر بالأسى، لأن العديد من ذوي الأمر لم يستيقظوا على المخاطر الآتية من كل اتجاه، وما زالوا يكابرون على الوطن. وباتت أقلامنا، عندما تكتب اليوم أن لا انتخابات رئاسية متوقعة، على الأقل في المدى القريب، تخجل ان تبوح بالحقيقة المرة.

ولكن، كل الصادقين المخلصين تستوحي قوة الإيمان بأن ارادة الخير هي التي ستنتصر عاجلاً أم آجلاً. وهذا هو عمق الايمان بالشراكة والمحبة لكل المؤمنين بلبنان الوطن الواحد.

أجل، اننا في مأزق رئاسي خطر. فكل معالم الأزمة طافية على السطح، ولا تحتاج الى تحليل واستنتاج. ولا يمكننا إلا الإقرار بأن هناك من يعمل كي يبقى البلد مأزوماً ويغرق أكثر فأكثر في الفوضى. ولذلك هو يُطيِّر الاستحقاقات ويُضيِّع المهل الدستورية والمبادرات.

وفيما المخلصون يعملون لالتقاط ما تبقى من فرص لانقاذ مؤسسة الرئاسة، في اللحظات القاتلة، هناك خوف من سقوط المجلس النيابي. فثمة تحليل يجزم ان المؤسسة التشريعية ذاهبة الى تمديد ثانٍ. فليس أسهل من دعوة النواب الى أن يمدِّدوا بأنفسهم لأنفسهم، ومن دون المغامرة بانتخابات قد تعيد بعضهم الى المجلس أو تحرمه من اللوحة الزرقاء.

لكن ذلك لا يحجب الهمس الجاري في بعض الدوائر، والذي يتوقع الأسوأ. فعلى نطاق ضيِّق، هناك كلام عن احتمال انتهاء المهلة الدستورية الممددة للمجلس في 20 تشرين الثاني من دون التمكن حتى من الاتفاق على التمديد. وإذا حصل ذلك، فستكون الفوضى العارمة: فالمؤسسة التشريعية يضربها انتهاء الصلاحية وكرسي رئاسة الجمهورية شاغرة. وعندئذ، سنكون قد انتقلنا من الأزمة الى الفاجعة الكبرى.

وأزمات الناس هي اليوم عند مستويات غير مسبوقة: سلسلة الرتب والرواتب تراوح الأساتذة يصعِّدون والطلاب ينتظرون بقلق تصحيح امتحاناتهم قبل العام الدراسي الجديد، الأزمة التي تعصف بالجامعة اللبنانية، تفاقم أزمة الكهرباء، أزمة نقص طارئة في المياه، وخلاف يجمِّد رواتب الموظفين في القطاع العام. وكل ذلك فيما الإقتصاد اللبناني يغرق في الركود، والوعود بموسم سياحي يعوِّض الخسائر أصبحت في خبر كان، بفضل أزمات المنطقة.

نصلّي مع جميع المؤمنين الصابرين في هذا البلد الطيّب، والذي يستحقُّ الحياة. وستبقى سواعدنا وعقولنا وقلوبنا، في خدمة وطننا لبنان كما اراده الله وأبناؤه المخلصون، وطناً للحق والخير والجمال، وسط هذا الليل الطويل من الظلم والشرّ والبشاعات.

واعذروا اقلامنا، اذ هي تُسطِّر الواقع وتُطلقُ التوقعات بناء عليه. ولكننا مؤمنون بغدٍ أفضل وإذ طال. وإذا كانت للباطل جولة، فللحقّ ألف جولة.

هذا هو إيماننا بوطننا. وستبقى أقلامنا تنضح بإيمان لا يزول، كما لبنان لا يزول.