أعلن البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن نوّابُ الأمّة يطعنون مرّةً أخرى، واليومَ بالذات، كرامةَ رئاسة الجمهورية وكرامةَ الشعب اللبناني ولبنان، بعدمِ اكتمال النصاب والإحجام عن انتخاب رئيس للجمهورية، وبخاصة بعد مرور أربعة أشهر تماماً من 25 أذار إلى 25 تموز، من دون أن يتمكّنوا من اتّخاذِ أي مبادرة إيجابية، أو أي مبادرة عملية إنقاذية شجاعة من الفريقَين المتنازعَين 14 و8 أذار ومن الفريق الوسطي، لا على صعيد المرشّحين، ولا على صعيد طرح للحلول.

وخلال عشاء اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، أعلن انه "مرّةً أخرى نطالب، مع اللبنانيين المخلصين، رئيسَ المجلس النيابي ونوّابَ الأمّة الالتزامَ بالدستور الذي يوجبُ على المجلس أن ينتخب فوراً رئيساً للجمهورية، أي أن يلتئم يوميّاً لهذه الغاية ولا يكون إلّا هيئة انتخابية لا اشتراعية، بحكم المواد الدستورية 73 و74 و75 الواضحة وضوح الشمس، وكم يؤسفُنا أن يكون نصابُ الثلثَين، الذي لا يفرضه الدستور، بل توافق عليه اللبنانيون قد تحوّلَ عن غايته"، قائلاً: "لقد توافقوا على حضور ثلثَي أعضاء المجلس النيابي لانتخاب رئيسٍ للجمهورية بنصف عدد أعضاء المجلس زائد واحد، لكي تُعطى هالةٌ للرئيس المُنتخَب، وطمأنينةٌ للناخبين فأصبح نصابُ الثلثَين وسيلةً لتعطيل الانتخاب وحرمان الدولة من رأسها، من دون أن نعلم حتى متى، لكنّنا نعرفُ أن هذا يشلّ البلاد ويقوّضُ أوصالَها ويحطّم آمالَ الشعب ولا سيّما شبابه وأجياله الطالعة".

ولفت إلى أنّ "البطريركية تتمسّك بخريطة الطريق التي رسمتها في "المذكّرة الوطنية"، والتي حيّتها جميع القوى السياسية والمجتمع المدني، إذا عادت إليها هذه القوى والمسؤولون السياسيون ونوّابُ الأمّة، وجدوا الطريقَ إلى خلاص البلاد، بدءاً بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، فمتى سلم الرأسُ سلم الجسمُ كلّه، ونردّد على مسامع الجميع أن البطريركية تريد رئيساً غنيّاً بشخصيته وأخلاقيته وتجرّده وتاريخه، رئيساً قادراً على تحمّل مسؤوليات الظرف الحاضر، ويكون على مستوى التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، مثل هذا الرئيس يأتي فقط بنتيجة عمليات الاقتراع اليومية والتشاور بين الكتل النيابية، والرئيس الذي يُنتخب بهذه الطريقة، وبها فقط، يكون الرئيس الأفضل والأنسب والمنشود".

في الملف العراقي، رأى انه "لم يكن أحد يتصوّر ما آلت إليه البلاد من نزاع وحرب وخراب وقتل ودمار على أيدي مكوّنات هذا الوطن. ولم يخطر على بال أحد أن تعود منظّمة "داعش" أي "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بالإنسانية والمدنية إلى هذا الحدّ من التراجع إلى الوراء، حتى الوصول إلى تهديد المسيحيين الآمنين المخلصين لوطنهم، المقيمين في الموصل العزيزة، وطردهم من بيوتهم وأراضيهم ومصادرة كلّ ممتلكاتهم، وإخراجهم منها فقط بالثياب التي عليهم، وسلبهم كل ما يحملون من مال أو حلى أو أمتعة، من دون أي شفقة أو رحمة أو أدنى شعور إنساني".

ووجه رسالة لـ"داعش" بالقول: "واحدة فقط تجمعنا بكم هي إنسانية الإنسان. تعالوا نتحاور ونتفاهم على هذا الأساس. فلا قيم الدّين تجمع بيننا وأنتم تنقضون جوهر الإسلام وتعليمه؛ ولا فن السياسة الشريف، فأنتم تعتمدون لغة السلاح والإرهاب والعنف والنفوذ، أما نحن فلغة الحوار والتفاهم واحترام الآخر المختلف، ولغة التعددية في الوحدة، ولغة الديموقراطية وحقوق الإنسان. ونسألكم ماذا فعل المسيحيّون في الموصل وكل العراق العزيز سوى الخير والتقدم والازدهار، على جميع المستويات الثقافية والاقتصادية والإنمائية والحضارية، لكي تعاملوهم بمثل هذا الحقد والتعدّي؟ لماذا تهدمون ثقافة وحضارة بنيناهما معاً، مسيحيين ومسلمين، منذ 1400 سنة من الحياة المشتركة؟ ألم يكن المسيحيون في أساس النهضة الحديثة في العراق؟ ولماذا تهدمون التراث العراقي الثمين من كنائس قديمة تعود إلى القرن الرابع والخامس، ومخطوطات نفيسة أصبحت ملك البشرية، وهي في عهدة السلطة المدنيّة، وتستفيد منها على كلّ صعيد؟"

وشدد على "إننا نعلن من جديد تضامننا مع إخواننا المسيحيين في الموصل وكلّ العراق العزيز. نتضامن مع كنيسة المسيح التي في العراق، ونلبّي نداء غبطة أخينا البطريرك لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، ملتزمين الصلاة وكلّ مساعدة لصمود المسيحيين في أرضهم ووطنهم. فالعراق بحاجة إليهم اليوم أكثر من أي وقت مضى. إنّه بحاجة إلى إنجيل المسيح، إنجيل المحبة والأخوّة، إنجيل السلام والعدالة، إنجيل الغفران والمصالحة، إنجيل قُدسية الحياة البشرية وكرامتها. مع آلامكم أيها العراقيون المُخلصون تبدأ مسيرةُ الخلاص الآتي من الله للعراق الحبيب وشعبه المحبوب".

أما في الملف الفلسطيني، أعلن "تضامننا مع الشعب الفلسطيني، ومع الكنيسة التي في فلسطين، وندعم مطالبهم المحقّة، مطالبين منظمة الأمم والشرعية الدولية، بعودة اللاجئين إلى أراضيهم الأصلية، وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة، وعاصمتها القدس، وفقاً لمبدأ الدولتَين، وبإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى، وكلّ أنواع التمييز العنصري، وبإقرار نظام خاص للقدس، المدينة المقدسة للديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. على هذا الأساس يرتكز كلّ حلّ سياسي".

وفي الملف السوري، شدد على أنه "يجب إنهاء مأساة شعب يُطرد بعنف من أرضه ووطنه. وقد بلغ عدد النازحين من بيوتهم وأراضيهم العشرة ملايين. إنّها حرب عبثية يقع ضحيتها الأبرياء. فمن واجب الإخوة السوريين، نظاماً ومعارضة، حلّ مشاكلهم بالطرق السلمية، بموآزرة الأسرة الدولية والدول الصديقة. إنّنا نصلّي من أجل هذه الغاية".