لم تعد ​الأجهزة الأمنية​ اللبنانية ضمن قائمة أهداف التنظيمات الإرهابية المتطرّفة فقط، بل باتت على رأسها في الآونة الأخيرة، بحسب ما تؤكد جميع المؤشرات، لا سيما مع إرتفاع وتيرة الإستهدافات التي تعرضت لها المؤسسة العسكرية خلال أيام قليلة، خصوصاً في منطقة البقاع الشمالي حيث تتواجد هذه المجموعات في منطقة جرد عرسال بأعداد كبيرة.

إلى جانب الإستهداف المعنوي، الذي يأتي من خلال الدعوات المتكررة إلى "الإنشقاق" عن الأجهزة الأمنية، يأتي الإستهداف المباشر من خلال العمليات العسكرية التي تستهدف عناصرها، في طرابلس وعرسال بشكل أساسي، الأمر الذي يطرح حوله علامات الإستفهام، خصوصاً أن أحداً لن يكون قادراً على دفع ضريبة مثل هذه الأعمال، وبالتالي من المطلوب التعامل معها بكل حزم.

في السابق كان "حزب الله" وبيئته الشعبية هم الهدف الأساس لهذه المجموعات، بسبب تداعيات الأحداث السورية على الساحة اللبنانية، لكن مع تطور الأوضاع أصبحت الأجهزة الأمنية هي الهدف الأول لها، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لهذا الملف، خصوصاً أن هذه الأخيرة هي القادرة على القيام بمواجهة شاملة مع تلك المجموعات، من دون أن يكون لذلك تداعيات كبيرة على صعيد رفع وتيرة التوتر المذهبي القائم في البلاد، وتشير إلى أن هذا الأمر كان واضحاً منذ البداية، حيث أن المؤسسة العسكرية لم تسقط يوماً عن لائحة الأهداف.

وتلفت هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن متابعة تطور الأوضاع في البلدان المجاورة التي شهدت أحداثاً دموية، توضح أن هذه المجموعات تعمد بشكل أساسي إلى إستهداف الأجهزة الأمنية، بغرض إضعافها قدر الإمكان، مستفيدة من حملات التحريض التي تقوم بها بعض القوى السياسية والدينية، وبعد ذلك تشكل أرضية خصبة تسمح لها بالعمل بكل حرية من أجل تنفيذ مشاريعها، وهي للمفارقة تستخدم في جميع الحالات الأسلوب نفسه.

على هذا الصعيد، توضح المصادر أنه قبل أشهر قليلة، تحديداً قبل تشكيل الحكومة الحالية، لم تكن الأجهزة الأمنية تتمتع بالغطاء الكافي، بسبب الإنقسام السياسي، الذي حولها إلى منصة لتبادل الإتهامات بين القوى المختلفة، وبات أي عمل تريد القيام به يتطلب أخذ العديد من المحاذير بعين الإعتبار.

وهذا الأمر، ترافق مع عدم القدرة على محاسبة بعض الشخصيات السياسية والدينية، التي إستغلت الحصانة الممنوحة لها، من أجل أن تكون شريكة أساسية في حملات التحريض المتعددة الإتجاه، وليس غريباً أن تكون الجماعات، التي تصنف إرهابية، تردد الخطاب نفسه في إستهدافها اليوم، ما يؤكد أنها كانت أكبر المستفيدين من الوضع الذي كان قائماً، بسبب سعي البعض إلى الكسب الجماهيري على حساب المصلحة الوطنية.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، الوضع اليوم أفضل بكثير، خصوصاً مع تسلم مسؤولين في تيار "المستقبل" مهام بارزة على الصعيد الأمني والقضائي، ما ساعد إلى حد ما في الحد من الخطاب المتطرف الذي كان يجتاح الساحة اللبنانية، لكن ذلك لا يعني زوال الخطر، خصوصاً أن تلك الجماعات تمكنت من تحضير أرضية تسمح لها بالترويج لخطابها بشكل لافت، وبالتالي المطلوب التنبه لأي أمر من هذا النوع أولاً.

من جهة ثانية، تكشف المصادر أن المعلومات عن السعي إلى إستهداف أكثر من شخصية أمنية كبيرة كثيرة، والعمل على إستهداف مراكز أمنية يخطط له، وما يحصل بشكل شبه يومي في منطقة البقاع خطير جداً، ويتطلب أعلى درجات الحذر، خصوصاً أن هذا الإستهداف ليس بجديد، وتذكر بأن المؤسسة العسكرية كانت هدفاً لهذه الجماعات منذ ما قبل الأحداث السورية وإنتقال تداعيات ما سُمّيَ بـ"الربيع العربي" إلى الساحة اللبنانية، والجميع لا يزال يذكر أحداث نهر البارد وقبلها أحداث الضنية.

وفي ظل كل ذلك، تؤكد مصادر سياسية أن الأخطر من الإستهداف المباشر هو الإستهداف المعنوي الذي يحصل من قبل البعض، لا سيما على صعيد الدعوات المتكررة إلى الإنشقاق عن الأجهزة الأمنية، والإيحاء بأن الإجراءات الأمنية تنفذ ضد فئة معينة من اللبنانيين دون سواها، وترى أن من الواجب معالجة هذا الخلل بشكل سريع، لأنه يساهم بشكل مباشر في تقديم المبررات للأعمال الإرهابية.

وتشير هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه في جميع دول العالم تكون الأجهزة الأمنية عرضة للمساءلة والمحاسبة في حال حصلت بعض التجاوزات، لكن هذا لا يعني تحولها إلى موضع تشكيك كما هو حاصل الآن، خصوصاً أن ذلك يندرج ضمن إستهداف الإستقرار والأمن القومي في أي دولة بشكل مباشر.

في المحصلة، لم تصل القوى السياسية إلى مستوى الوعي المطلوب لمواجهة ما يخطط على الصعيد الأمني، خصوصاً أن الركون إلى وجود غطاء دولي يمنع إنفجار الأوضاع لا يكفي، لأنه قد لا يستمر طويلاً في ظل التحولات السريعة على مستوى المنطقة والعالم.