بعد أن كانت قياداتها "تحتل" الشاشات العربية والعالمية، على مدى أشهر طويلة، قد يكون البحث اليوم عن بعض قيادات قوى المعارضة السورية، التي توصف بـ"المعتدلة"، سواء كانت من أعضاء "المجلس الوطني " أو "الإئتلاف الوطني"، أمرًا من المستحيل تحقيقه، حيث تقفل أغلب هذه القيادات هواتفها أو لا ترد على الإتصالات إلا نادراً، فـ"داعش" وأخواتها باتت هي المسيطرة على المشهد العام.

لم يعد أحد يذكر تلك القيادات، إلا بعض المسؤولين الغربيين، عندما يتناولون الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ويعتبرون أن دعمها قد يكون مفيداً في مواجهة التنظيمات المتطرفة، لكن فعلياً هي غير قادرة على ذلك، فهي لم تنجح في التوحد إلا صورياً، ولم تستطع أن تقدم أي برنامج واضح لسوريا المستقبل.

داخل هذه المعارضة، هناك من يعترف بهذا الأمر بشكل علني، ويتحدث عن عوامل موضوعية خارجة عن سيطرتها وأخرى ذاتية متعلقة بمؤسسات المعارضة، حيث يشير الرئيس السابق لـ"المجلس الوطني" عبد الباسط سيدا إلى أن تبدل إهتمامات المجتمع الدولي أدى إلى تهميش المعارضة و"الثورة" معاً، فالأوضاع في العراق وغزة ومصر ولبنان وأوكرانيا تحظى باهتمام أكبر.

من وجهة نظر سيدا، فالمجتمع الدولي لم يعد مهتماً بالأوضاع السورية بالشكل المطلوب بعد مؤتمر جنيف، الّذي كان بمثابة "الكرنفال" الذي توصلت إليه القوى الكبرى من أجل القول أنها قدمت مبادرة ما، وترمي بعد ذلك المسؤولية على عاتق السوريين.

الأمور لا تقف عند العوامل الخارجية، يؤكد سيدا، في حديث لـ"النشرة"، والعوامل الداخلية لها دورها الأساسي أيضاً، إذ أن المعارضة عانت من أزمات كبيرة أدت إلى إضعافها بشكل لافت، بالإضافة إلى أن سيطرة "داعش" على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة عقّدت الوضعية المعقّدة أصلاً أكثر.

بدوره، يوافق عضو "الإئتلاف الوطني" خالد الناصر على كلام سيدا عن سيطرة أحداث أخرى على المشهد الدولي، ويضيف عليها ما يصفه بـ"ملل" المجتمع الدولي من ​الأحداث السورية​، ويشير إلى أن العالم لم يعد يبالي بما يحصل على ما يبدو، بالرغم من أن الواقع في سوريا أصعب من غيره، ويقول: "مع الأسف أصبحنا مجرد أرقام".

يرى الناصر، في حديث لـ"النشرة"، أن سبب غياب بعض القيادات المعارضة عن الساحة يعود إلى عدم جدوى دورها في المرحلة الراهنة، خصوصاً بعد أن دخلت الأحداث بعد تطورها في النفق المسلح، وتعاظم الصراع الدولي بشكل لافت، لكنه لا يرى أن المعارضة بشكل أساسي غائبة بل مُغيَّبة، ويلفت إلى أن تغييب قيادات معينة عن بعض الشاشات بسبب عدم توافقها مع مشروعها، هو من نتائج الصراع الإقليمي القائم على سوريا.

لكن على الرغم من كل ذلك، يعتبر سيدا أن المطلوب رفع مستوى الأداء، ويشير إلى أن المشكلة الأساس تعود إلى غياب الأحزاب الكبيرة، القادرة على وضع مشروع تفرض من خلاله شروطها في التعامل، ويوضح أنّ "المجلس الوطني كان مؤلفاً من شخصيات وطنية لكن الإئتلاف كان صنيعة قوى دولية".

أمام هذا الواقع، تذهب إحدى الشخصيات المعارضة بعيداً في توصيف ما يحصل، وتلفت إلى عدم وجود معارضة فعلية موحدة، وتضيف: "نحن مجموعة شخصيات معارضة لديها علاقات مع قوى إقليمية ودولية، لكن بدل توظيف هذه العلاقات لخدمة المشروع الوطني أصبحت تلك الشخصيات توظف لتأمين مصالح هذه القوى".

لا تنفي هذه الشخصية، عبر "النشرة"، وجود حالة من الجمود السياسي تسيطر على المشهد العام، لا بل تؤكد أن عدم الحماس بدأ يخيم على الأجواء، وتشدد على أن غياب ذلك عند البعض إشارة خطرة، وترى أن من الضروري معالجة هذا الواقع بشكل سريع.

لدى سؤاله عن سيطرة القوى المتطرفة، يؤكد سيدا أن قوى المعارضة حذرت من ظهورها بحال عدم دعم القوى المعتدلة بشكل جدي منذ البداية، و"اليوم وصل العالم إلى النتيجة التي يحمّلنا المسؤولية عنها"، ويقرّ: "نحن نتحمل جزءاً من المسؤولية ونعترف بذلك، لكن لماذا لا يعترفون هم أيضاً؟"

في الختام، يؤكد سيدا أن الوضعية صعبة جداً، لكنه يشدد على أن التفاؤل يجب أن يبقى قائماً، لكن مقارنة ذلك بالأوضاع على أرض الواقع، توحي بأن الخروج من النفق المظلم، الذي دخلت فيه هذه المعارضة، ليس بالأمر المتاح حالياً.