بات من الواضح أنّ رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو قد أدخل «إسرائيل» في مأزق كبير، فهو إذا كان يعتقد بأنّ ذهابه إلى التصعيد والعودة إلى ارتكاب المجازر سيؤدّي إلى تحقيق أمانيه في إضعاف إرادة المقاومة وثنيها عن التمسك بمطالبها في المفاوضات، فإنّ ما حصل كان على النقيض تماماً، فالمقاومة هي من هدّد نتنياهو منذ البداية بجاهزيتها لخوض حرب استنزاف إذا لم يخضع لشروطها لوقف إطلاق النار، وإذا كان يعتقد أنّ إغتيال ثلاثة من قادة المقاومة في رفح سوف يضعف معنويات المقاومة وجمهورها فإنه أيضاً مخطئ لأنّ شهداء المقاومة يزيدون المقاومين صموداً وتصميماً على المواجهة.

وهذا ما حصل بالفعل، فالوقائع التي سجلتها الساعات الـ 48 الماضية أكدت هذه النتيجة وعززت القناعة بعدم قدرة العدو على تحقيق أيّ من أهدافه من وراء استمرار عدوانه ومحاولة التهرّب من استحقاق تقديم التنازلات السياسية في المفاوضات:

أولاً: صحيح أنّ «إسرائيل» تمكّنت عبر طائراتها الحديثة الأميركية الصنع من تدمير المزيد من المنازل وقتل المدنيين في غزة، لكن الصحيح أيضاً أنّ المقاومة تمكنت من الردّ على ذلك بقوة بقصف عنيف وبنسبة أكبر من السابق لكلّ مدن الاحتلال، واستطاعت شلّ كلّ مناحي الحياة في كيان العدو، ووقف الرحلات الجوية من وإلى مطار بن غوريون في تل أبيب ووقف حركة القطارات، ودفع الكثير من المستوطنين إلى الإسراع في مغادرة فلسطين، ما يعني أنّ «إسرائيل» تدفع ثمن استمرارها في عدوانها ورفضها للمطالب الفلسطينية لقاء وقف اطلاق النار.

ثانياً: إنّ الجبهة الداخلية الفلسطينية لم تظهر أي حالة تململ أو تردّد يمكن أن تؤشر إلى أنّ الشعب الفلسطيني قد أصيب بالوهن والضعف ولم يعد مستعداً للتحمّل والصمود ومواصلة الوقوف وراء المقاومة، وهو ما عكسته مشاركته الكثيفة بعشرات الآلاف في تشييع شهداء المقاومة الثلاثة الذين اغتالتهم طائرات العدو، وبالمقابل فإنّ الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» عكست مزيداً من التصدّع وعدم الثقة بين المستوطنين وحكومتهم لعدم تمكنها من تحقيق الأمن لهم والزجّ بهم في أتون حرب استنزاف ستفضي في النهاية إلى حلّ سياسي.

ثالثاً: لم تظهر أي بوادر ضعف في الموقف الفلسطيني الموحد على المستوى السياسي، في حين ظهر المزيد من علامات الانقسام والصراعات الحادة داخل الحكومة «الإسرائيلية» تجسّدت في الانتقادات الحادة التي وجهها وزراء أمثال تسيبي ليفني، وأفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت للطريقة التي يدير فيها نتنياهو المفاوضات، وهو ما أضطر الأخير إلى الطلب من الوزراء عدم التعقيب على قراراته السياسية أو انتقاد موقفه من المفاوضات، حسبما ذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت».

رابعاً: أظهرت المقاومة قدرة واضحة على خوض حرب الاستنزاف وامتلاكها مخزوناً كبيراً من الصواريخ، يمكنها من الاستمرار في قصف مدن ومستوطنات الاحتلال لفترة طويلة تدوم لأشهر حسبما قال أحد مسؤولي المقاومة، وهذا ما أشّر إلية عدد الصواريخ التي تطلقها في اليوم الواحد من 100 إلى 200 صاروخ كمعدل وسطي، ما يعني أنّ رهان العدو على تراجع قدرات المقاومة ونفاذ مخزونها من الصورايخ في وقت قريب رهان في غير محله، خاصة أنّ المقاومة باتت تصنع الكثير من أنواع الصواريخ التي تطلقها، وبالتالي فإنّ استمرار حرب الاستنزاف لأسابيع لا قدرة لـ»إسرائيل» على احتماله فكيف والحال إذا ما استمرّت لأشهر.

خامساً: إقرار «إسرائيلي» بأنّ نتنياهو ورئيس أركان جيشه موشي يعلون قد جرّوا «إسرائيل» لخمسة أسابيع من الأحداث الاستعراضية ولم يحققا أيّ هدف من الحرب، بل تسبّبا في تدمير موسم السياحة الصيفي وإلحاق أضرار فادحة بالاقتصاد «الإسرائيلي» وتقويض الشرعية الدولية التي حصلت عليها «إسرائيل»، والمسّ بالرصيد الذي حققته على مدى سنوات طويلة.

وهكذا فإنّ نتنياهو يٌدفّع «إسرائيل» الثمن الكبير بعد أن بدّد كلّ أهداف حربه ويقودها إلى الغرق في حرب استنزاف من المعروف أنّ نهايتها الحتمية هي العودة إلى المفاوضات، لكن هذه المرة سيكون المفاوض «الإسرائيلي» في موقع أكثر ضعفاً من قبل وسيكون عليه للخروج من دائرة الاستنزاف الإقرار بمطالب المقاومة وبالهزيمة وبالتالي منح المقاومة انتصارا سياسياً مدوياً طالما سعى إلى الهروب منه.