بماذا المسؤولون السياسيون عندنا مشغولون، لا بل متلهُّون، فيما العالم من حولهم يتغيَّر رأساً على عقب؟

إلى متى سيبقون منغلقين على أنفسهم، فيما هناك خلطُ أوراقٍ عالميّ يُحوِّل العدوَّ إلى صديق والخصم الى حليف؟

هل بلغوا مرحلة الكسل الذهنيّ والإحباط الفكريّ إلى درجة أنَّهم لم يعودوا يشعرون بما يجري حولهم، وكأنَّ الدنيا متوقِّفة عندهم في محطةٍ ما؟

إذا كان الأمر كذلك فهذه كارثة كبيرة، لأننا سنستفيق يوماً على تحوُّلات إستراتيجية في المنطقة، بدأت طلائعها تظهر منذ استفحال خطر الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة بإسم تنظيم داعش.

***

التحوُّل الأول أنَّ الولايات المتحدة الأميركية لا تهتمُّ إلا بالمناطق حيث لها مصالح فيها. ها هي تأهبت للدفاع عن أربيل لأنَّ استثماراتها فيها أكثر من أن تُحصى، وبهذا المعنى، أليس مستغرباً أن يتمدَّد تنظيم داعش في كلِّ اتجاهٍ ويجتاز كلَّ الحدود ويتوقَّف عند أبواب أربيل؟

هذا التحوُّل ألا يستدعي من اللبنانيين أن يُفكِّروا للحظة عن مدى أهميتهم بالنسبة إلى الدول؟

متى يتخلّون عن المكابرة ويمتنعون عن الإعتقاد بأنَّ الكرة الأرضية تدور حولهم؟

***

ما يجب أن يتنبَّه إليه اللبنانيون، هو أنَّ التحوُّلات في المنطقة تؤدّي حكماً إلى تغييرات في لبنان وليس العكس:

فاتفاق الطائف لم يدخل حيِّز التنفيذ منذ قرابة ربع قرن، إلا بعد الحرب الأميركية على العراق ودخول جميع دول المنطقة في تحالف دولي في هذه الحرب.

ثم كان التحالف الدوليّ إثر ضربات 11 أيلول. اليوم هناك ملامح تحالف دولي، ودول المنطقة ليست بعيدة عنه، لضرب تنظيم داعش، فهل يُدرِك اللبنانيون أبعاد هذه التحولات؟

***

ذروةُ التعاون، وربما مفاجأته، ما أدلى به وزير الخارجية السوري وليد المعلم، من استعداد بلاده للتعاون مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب. وقال:

نحن جاهزون للتعاون والتنسيق مع الدولة الإقليمية والمجتمع الدولي، في مجال مكافحة الإرهاب، في إطار قرار مجلس الأمن. وأضاف:

إذا صدقت المعلومات الإعلامية عن عملية عسكرية أميركية على الأراضي السورية، فإنَّها تمت وفشلت، إلا أنَّه لو كان هناك تنسيقٌ مسبق، أؤكد أنَّ إحتمال فشلها سيكون ضعيفاً.

بهذا المعنى تكون الدبلوماسية السورية توجِّه دعوةً علنية إلى واشنطن للتعاون. أمّا برسِم اللبنانيين:

هل هناك تحوُّلٌ أكثر وأكبر من هذا التحوُّل؟

وبينما كان الوزير المعلِّم يُحدِّد الموقف السوري المستجد، كانت واشنطن تُحدِّد موقفاً أكثر بلورةً:

الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، يُعلِن أنَّه لا بدَّ في نهاية المطاف من التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية، على جانبي حدود غير موجودة في واقع الأمر حالياً، بين العراق وسوريا.

ووفق ما نُقِل من معلومات ومعطيات من واشنطن، فإنَّ ديمبسي يُجَهِّزُ مع القيادة المركزية الأميركية خيارات التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية في كلٍّ من العراق وسوريا، عبر مجموعةٍ من الأدوات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية.

والمثيرُ للدهشة ما ختم به ديمبسي بقوله بالتحديد:

الخلاصة هي أنَّ قواتنا في موضع جيّد لإقامة شراكة مع حلفائنا الإقليميين ضد الدولة الإسلامية.

***

مجدداً، هل يملك اللبنانيون ذاكرةً إستراتيجية؟

هل يعرفون ماذا يعني هذا الكلام؟

هناك إحتمالٌ من إثنين:

إما أنَّه يؤدي إلى تسريع عملية إنتخاب رئيس الجمهورية، لمواكبة التطورات المتسارعة في المنطقة، وإما أن يضع ملفَّ الإستحقاق على رفِّ الإنتظار، إلى حين تبلور الصورة في المنطقة.

بين الإحتمالين، أين يقف مسؤولو الساسية المميزون في البلد؟

هل مازالوا يفضِّلون الجلوس على قارعة الإنتظار، أم لمرةٍ واحدة يقرِّرون إتِّخاذ المبادرة؟