تروي الدماء الفلسطينية في قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس أرض فلسطين، شهداء وجرحى، بتجانس دائم مع دماء سقطت في الشتات الفلسطيني، ومن مناضلين عرباً ومسلمين وأمميّين لتحرير فلسطين وإقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى الأرض التي سلبها الكيان الصهيوني منهم...

دماء غالية تنزف بين الحين والآخر لتفجّر ينبوعاً من العنفوان، ينبئ بتغيّرات تتجاوز القضية الفلسطينية، خاصة في الأوقات العصيبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، ومحطّات التاريخ حافلة بذلك، مع كل كبوةٍ عربية يبزغ "المارد الفلسطيني" موقظاً الأمة من كبوتها...

الإنجاز التاريخي الذي تحقّق بصمود أبناء غزّة، وببطولة المقاومين بكتائبهم العسكرية كافة، والحِراك السياسي والدبلوماسي الذي قاده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكانت محطته الرئيسية العاصمة المصرية القاهرة، كرّس الوحدة الوطنية الفلسطينية بأبهى صورها، متلاحمةً بين الداخل في الميدان، وفي التحرّكات الشعبية في الضفة الغربية والقدس، وفي الخارج بحِراك سياسي غير مسبوق، عضّ فيه الفلسطيني على جراحه وآلامه، خاصة أنّه يعلم بأنّ تحقيق الانتصار ليس بالسهل - ولو قُدِّرَ لا سمح الله للاحتلال أنْ حقّق نصراً - لكانت ازدادت السهام الموجّهة إلى الفلسطيني، منها مَنْ يُعلن بأنّه لم يستجب لمشورته أو رأيه، بمحاربة ومقارعة مَنْ يدّعي أنّه "الجيش الذي لا يُقهر" في المنطقة...

لكن الانتصار الفلسطيني تحقّق، ويسعى الكثيرون لاستثماره، ويحاولون إيجاد موطئ قدم لهم من خلال القضية الفلسطينية، ومنهم دول عربية وإسلامية وإقليمية، يهدفون إلى تحقيق مآرب ومصالح خاصة، وهو ما عانت منه القضية الفلسطينية على مر العقود الماضية، حيث أمعنت بعض القوى تقسيماً في الساحة الفلسطينية، فسجّلت انشقاقات في العديد من الفصائل، لأنّ دولاً تريد أنْ تحقّق مآربها، والضحية هي القضية الفلسطينية...

إستثمار الانتصار

هذه الدماء الفلسطينية تحتاج إلى تأكيد وتجسيد الوحدة الداخلية، التي تجلّت بأبهى صورها في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة، وأنْ يتم مجدّداً الانطلاق من نقاط الالتقاء، وليس الاختلاف، لأنّ العدو الإسرائيلي وعبر أدواته، زعماء ودولاً ومجموعات وأفراداً، سيسعون إلى بث التفرقة عبر شائعات و"سيناريوهات" والضغط على دول للتأثير على قوى فلسطينية من أجل الولوج إلى المبتغى، وهو تحقيق السيطرة اليهودية على المنطقة.

بعد كل كبوة في عالمنا العربي والإسلامي، تعود القضية الفلسطينية لتجذب الجميع إليها على الرغم من انشغالاتهم الداخلية، فتطفو مجدّداً على السطح كقضية جامعة، وإنْ نظر إليها كلٌّ من الطرف والمصلحة التي تلائمه، ولهذا فإنّ هذا الانتصار يجب أنْ يؤسِّس لمرحلة هامة، يُمكن من خلالها إعادة تجميع القوى العربية والإسلامية، بعدما تأكد أنّ هناك عدواً واحداً يستهدف الجميع، هو العدو الإسرائيلي.

التاريخ يعيد نفسه

فبعد هزيمة حزيران 1967، كان النصر الأول في معركة الكرامة (21 آذار 1968)، ثم دخول الرئيس ياسر عرفات إلى "الأمم المتحدة" كأوّل قائد ثورة يعتلي أعلى منبر دولي، وينتزع قراراً بالاعتراف بـ "منظّمة التحرير الفلسطينية" - كيان مراقب (13 تشرين الثاني 1974)، وكان ذلك أحد أسباب الحرب العبثية في لبنان (نيسان 1975).

وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان (حزيران 1982)، ولحظة خروج الرئيس "أبو عمّار" على متن بارجة فرنسية متوجّهاً إلى تونس (آب 1982)، سُئِلَ عن وجهته فقال: "عَ القدس رايحين... شهداء بالملايين"، وكان بعدها اندلاع الانتفاضة الأولى – انتفاضة الحجارة (كانون الأول 1987).

وبعد الجريمة الإسرائيلية باغتيال الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس (16 نيسان 1988)، كان المجلس الوطني الفلسطيني يعقد دورته معلناً "وثيقة الاستقلال" (تشرين الثاني 1988)، قبل أنْ يجبر العالم على نقل جلسة "الأمم المتحدة" من نيويورك إلى جنيف في سويسرا، إثر رفض الولايات المتحدة الأميركية منح الرئيس "أبو عمّار" تأشيرة سفر إليها (كانون الأول 1988).

وبعد الغزو العراقي للكويت (آب 1990) جاء توقيع اتفاق "أوسلو" (13 أيلول 1993) وعودة الرئيس "أبو عمّار" فاتحاً إلى غزّة (1 تموز 1994) بعدما انتخبه "المجلس المركزي الفلسطيني" رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية (تشرين الأول 1993).

وبعد التشرذم العربي كانت الانتفاضة الفلسطينية – "انتفاضة الأقصى" (أيلول 2000)، التي كان من نتيجتها فرض قوّات الاحتلال حصاراً على مقر الرئيس "أبو عمّار" (من آذار 2002 إلى ما قبل نقله إلى العاصمة الفرنسية باريس بعدما أُصيب بإعياء شديد إلى أنْ أُعلِنَ عن استشهاده في 11 تشرين الثاني 2004).

ها هي الظروف تعود مجدّداً، ففي ظل ما عُرِفَ بـ "الربيع العربي" كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ينجح بانتزاع مقعد لفلسطين في "منظّمة اليونيسكو" (31 تشرين الأول 2011) على الرغم من المعارضة الأميركية، ويرفع علم فلسطين في باريس (23 كانون الأول 2011).

وفيما العالم العربي كان مشغولاً بقضاياه الداخلية، توجّه الرئيس "أبو مازن" إلى "مجلس الأمن الدولي" لتقديم طلب عضوية فلسطين (23 أيلول 2011)، قبل أنْ يعود مجدّداً إلى "هيئة الأمم المتحدة" وينتزع عضوية دولة فلسطين – بصفة مراقب (29 تشرين الثاني 2012)، وقبلها توقيع المصالحة الفلسطينية في القاهرة (4 أيار 2012).

المصالحة الفلسطينية

وفي العام 2014، كانت محطّات مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تجلّت بإيفاد الرئيس "أبو مازن" عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ورئيس وفدها المفاوض عزّام الأحمد إلى غزّة، حيث تم التوقيع على الخطوات العملانية لتنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية (نيسان 2014)، وكانت "حكومة الوفاق الوطني" (2 حزيران 2014) برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، تكريساً لإنهاء الانقسام الفلسطيني، لتنفذ سياسة الرئيس "أبو مازن"، التي كان مشعل قد اقترح أنْ يتولى تشكيلها.

هذه الإنجازات الفلسطينية كان هناك مَنْ يخطّط لتوجيه الضربات إليها تارة بالإغراء، وطوراً التهديد السياسي، فالعقوبات والإجراءات التعسّفية، وصولاً إلى الكلام السياسي القاسي باتجاه الرئيس "أبو مازن" ووصفه بأنّه يمارس "الإرهاب الدبلوماسي" وتهديد حياته بشكل مباشر، وتخييره بين استمرار المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي أو المصالحة مع حركة "حماس".

الرئيس الفلسطيني الذي جبلته الأيام، وأكسبته السنون خبرةً وتمرّساً، اختار أنْ تكون الوحدة الداخلية الفلسطينية هي الأقوى، ردّاً على كل محاولات الاستفراد، والضغوطات والإغراءات العربية والإقليمية والدولية، لأنّه كان دائماً يؤكد أنّ حركتَيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" هما من مكوّنات الشعب الفلسطيني، وإنْ لم تكونا في إطار "منظّمة التحرير الفلسطينية".

هذه التأكيدات بحاجة إلى الإسراع بتفعيل دور "منظّمة التحرير الفلسطينية" باعتبارها الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتي احتاجت إلى دماء غالية من أجل انتزاع هذا التمثيل.

شراكة الخنادق

اليوم، وفي ضوء الانتصار الفلسطيني التاريخي في قطاع غزّة، يجب على الجميع الإقرار بالشراكة في تحقيقه، لأنّ الإنجاز العسكري في خنادق الميدان يحتاج إلى إنجاز سياسي وتحقيق مكتسبات سياسية، حتى لا يكون قطاع غزّة أو الضفة الغربية أو القدس بين فترة وأخرى عرضة لعدوان صهيوني جديد، سواء بالقصف أو بناء المستوطنات والتجريف واقتطاع الأراضي والتهويد.

وكرّست القوى الفلسطينية نموذجاً يُحتذى به عبر التلاحم بين كافة مكوّنات الشعب الفلسطيني، وتغاضي البعض عن بعض "التصرّفات"، سواء أكانت مقصودة، أو عفوية، وهو ما يحتاج إلى القفز فوق أي أخطاء وقعت في المرحلة الماضية، وعدم البنيان عليها للمرحلة المقبلة.

لقد حقّق الفلسطينيون جملة من الانتصارات والإنجازات، في المقابل إخفاقات إسرائيلية:

- لقد استطاعت المقاومة العسكرية في قطاع غزّة الاستمرار بإطلاق صواريخها، ولم تستطع قوّات الاحتلال منعها من التساقط على مناطق لم تشهدها أي من حروب الصراع العربي – الإسرائيلي ومنها "مطار بن غوريون"، الذي توقّفت فيه الملاحة للمرّة الأولى، ومحيط المنشآت النووية الإسرائيلية ومحطات الغاز.

- ولم تستطع "القبة الحديدية" اعتراض الصواريخ التي استمرّت المقاومة بإطلاقها باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في معركة شاركت فيها كافة الكتائب العسكرية الفلسطينية، التي كانت على أعلى درجات التنسيق في ما بينها.

- استطاعت المقاومة أيضاً أنْ تُخفي الأنفاق التي كانت قد حفرتها، وهو ما أفشل العديد من "بنك الأهداف" الإسرائيلي، حيث لم تكن لدى الاحتلال صورة واضحة عن هذه الأنفاق، ولهذا بدأ يستعد منذ الآن لتطوّرات المراحل المقبلة، إذ اختارت "إسرائيل" شركتَيْ أسلحة عملاقتين، لتطوير منظومة جديدة لمواجهة أنفاق المقاومة في فلسطين وجنوبي لبنان، تصل كلفتها إلى 750 مليون دولار أميركي، بعدما تبيّن وفق الدراسات الإسرائيلية أنّ هناك خطراً كبيراً للأنفاق التي يحفرها المقاومون.

- العدد الكبير من قتلى جنود الاحتلال الذي وصلوا إلى 67 بين ضابط وجندي، من بين 72 قتيلاً إسرائيلياً، فضلاً عن إصابة 2300 إسرائيلي بجروح مختلفة، إضافة إلى أسرى أحياء أو جثث.

- ونجح قادة المقاومة بالبقاء في أماكن آمنة، وهو ما أفشل محاولات العدو لاستهداف قادة الصف الأول في المقاومة، الذين خرجوا سالمين بعد وقف العدوان.

"ترانسفير" معاكس للمستوطنين

أما سياسياً فكانت وحدة الموقف الفلسطيني تتجلّى عبر تشكيل الرئيس "أبو مازن" وفداً فلسطينياً مشتركاً برئاسة عزام الأحمد يمثّل الفصائل والقوى الفلسطينية، بما في ذلك حركتَيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وتأكيده أنّ المبادرة المصرية هي الحل الوحيد لوقف العدوان على قطاع غزّة، وهو ما شدّد عليه منذ الأيام الأولى للعدوان.

وكانت من نتائج العدوان الصهيوني على قطاع غزّة انهيارات جديدة أُضيفت إلى الواقع الإسرائيلي المتأزم، حيث فاقت تقديرات الخسائر بـ 4.6 مليارات دولار أميركي، والاضطرار إلى تقليص موازنات العديد من وزارات حكومة العدو، وبدء "ترانسفير" معاكس للمستوطنين من المناطق التي يعتبرونها خطرة، وسُجِّلَ نزوح أكثر من 30 ألف مواطن من محيط قطاع غزّة، وهو ما يُمكن أنْ ينسحب على المرحلة المقبلة باضطرار البعض إلى مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مناطق أكثر أمناً.

هذا الانتصار لا شك في أنّه ألحق الهزيمة بسلطات الاحتلال، التي تسعى دائماً إلى محاولة الإيقاع بين الفلسطينيين من خلال وضع "سيناريوهات" للانقسام والشرذمة داخل الصف الفلسطيني وليس آخرها الإعلان - خلال العدوان الإسرائيلي- عن إلقاء القبض على 93 كادراً من "حماس" قاموا بالإعداد لانقلاب في الضفة الغربية، في محاولة لبث الفِرقة داخل الصف الفلسطيني.

وما إنْ انقشع غبار العدوان، حتى برز التباين في المواقف الإعلامية الفلسطينية لجهة دعم الموقف الفلسطيني خلال العدوان، حيث وجّه الرئيس "أبو مازن" الشكر إلى القيادة المصرية والمملكة العربية السعودية، ملمحاً إلى دور قطر وأميرها.

بينما وجّه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" التحية إلى قطر وأميرها الشجاع الشيخ تميم، وإلى الرئيس أردوغان الرجل الأصيل، والرئيس الثائر (التونسي) المنصف المرزوقي، مضيفاً "إخواننا في مصر بذلوا جهداً مُقدّراً، والمطلوب من مصر بحكم مكانتها أكبر وأكبر".

في حين خصّت "حركة الجهاد الإسلامي" إيران و"حزب الله" بأحرِّ الشكر وأفضل التقدير.

وينقل مقرّبون عن الرئيس "أبو مازن" استياءه من "الكذب عليه في قضية المستوطنين الثلاثة (جلعاد شاعر ونفتالي فرينكل، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية وايال يفراح)، الذين كانوا قد اختُطِفوا بالقرب من مستوطنة "غوش عتصيون" الاستيطانية في منطقة الخليل)، والتي تبرّأت منها حركة "حماس" أمامه من قبل وعادت للاعتراف بالمسؤولية عنها على لسان القيادي فيها صالح العاروري من اسطنبول.

والرئيس "أبو مازن" الذي أكد منذ البداية على أهمية "المبادرة المصرية"، وإنّها الحل الوحيد، أثبتت الأيام صحة ما كان قد أعلن عنه، بعد أيام قليلة من بدء العدوان، ولو تم تنفيذ ما نصّت عليه المبادرة أي وقف النار والتهدئة ثم تم بحث الحقوق الفلسطينية، لكان يمكن تفادي العدد الكبير من الشهداء والجرحى والمجازر وتدمير المنازل والمباني في قطاع غزّة.

جولة "أبو مازن" المكوكية

زار الرئيس "أبو مازن" القاهرة ثم أنقرة، وحط رحاله في المنامة (19 تموز 2014) والتقى السفراء الفلسطينيين المعتمدين لدى الدول العربية، طار من هناك إلى الدوحة، حيث التقى أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومشعل، وعاد من هناك إلى القاهرة قبل أن يعود ثانية في جولة مكوكية.

في محطته في المنامة التقيتُ بالرئيس "أبو مازن" الذي كان عائداً من تركيا بعدما التقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان قد وجّه كلاماً قاسياً إلى الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي، متهماً إياه بـ "الفرعون".

وفجر ذلك اليوم وقعت مجزرة الشجاعية (20 آب) وكان الرئيس في طريقه إلى الدوحة للقاء أميرها الشيخ تميم ومشعل.. في تلك اللحظات كان الرئيس "أبو مازن" يؤكد أنّه يجب أن يكون الجُهدُ منصبّاً على وقف العدوان على قطاع غزّة لأنّ الاحتلال الإسرائيلي يريد تدمير القطاع، وهذا أحد الردود على "حكومة الوفاق الفلسطيني"، التي تُعتبر إحدى خطوات المصالحة الداخلية الفلسطينية، وأنّه يجب عدم استخدام الورقة الفلسطينية في أي من الأجندات المتصارعة، رافضاً تدخّل أي كانٍ في الشؤون الفلسطينية الداخلية، كما يرفض الفلسطينيون التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

خطة سلام خلال 9 أشهر

وبعدما توقّف العدوان، فإنّ مقرّبين من الرئيس "أبو مازن" كشفوا عن أنّ في جعبته عدّة أوراق، ومنها ما سيقدّمه أمام الوزراء العرب (7 أيلول الجاري) في القاهرة، لجهة خطة السلام التي تقوم على استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي خلال 9 أشهر، وإنجاز الانسحاب من الأراضي المحتلة ضمن فترة لا تتجاوز السنوات الـ 3، تبدأ خلال فترة الأشهر الـ 3 الأولى، ثم الانتقال إلى القضايا الأخرى المتعلّقة باللاجئين والقدس والاستيطان والأمن والمياه، وأنْ تكون بداية التفاوض بوقف الاستيطان وإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى – أي ما قبل أوسلو، التي كان من المقرّر أنْ تُفرِج عنها سلطات الاحتلال في شهر آذار الماضي.

وكشفت المصادر عن أنّ القيادة الفلسطينية وضعت مشروعاً متكاملاً لاستئناف المفاوضات، وعن أنّ الاحتلال إذا لم يوافق على الخطة الفلسطينية للسلام، فسيقوم الفلسطينيون باتخاذ إجراءات دبلوماسية وسياسية من خلال القوانين ومنها الانضمام إلى بقية المؤسّسات والمنظّمات الدولية، بما فيها "اتفاق روما".

وأشارت المصادر إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي كان ينوي زيارة المنطقة، قد ألغى زيارته في هذه المرحلة، بعدما وجد عدم تجاوب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد أوفد الرئيس "أبو مازن" عضو اللجنة التنفيذية لـ "منظّمة التحرير الفلسطينية" كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات إلى واشنطن للقاء كيري، ووضعه في أجواء الخطة الفلسطينية لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية.

صمود معمد بالدماء

وضعت الحرب الإسرائيلية على غزّة وزرها بعد 51 يوماً، فكان وقف لإطلاق النار وتهدئة، على أنْ تنطلق المفاوضات غير المباشرة التي تقودها مصر، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي خلال شهر أيلول الجاري، للبحث بالورقة المصرية، وإقرار الحقوق الفلسطينية، خاصة رفع الحصار عن القطاع، وفتح المعابر، والسماح بالصيد لمسافة تصل إلى 12 ميلاً وفتح المطار والمرفأ، وإدخال مواد الإغاثة والمساعدات وإعادة الإعمار.

من خلال الإحصائيات لما جرى في قطاع غزّة، يتّضح حجم الهمجية الصهيونية التي ارتكبت مجازر يندى لها الجبين، حيث وصل عدد الشهداء إلى 2142 وعدد الجرحى 11100 غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وعدد المنازل المهدمة 10620، إذ هدف الاحتلال إلى إيقاع مجازر لدفع المواطنين إلى النزوح داخل قطاع غزّة، وتحقيق منطقة خالية، قريبة من مناطق تواجده عند تخوم القطاع، فضلاً عن حجم الدمار الرهيب الذي استهدف المساجد والكنائس والمقابر الإسلامية والمسيحية ودور العبادة، والروضات والمستشفيات والمراكز الصحية ومآوي العجزة والطواقم الطبية والإعلامية والمجمّعات السكنية والتجارية، وهذا يحتاج إلى خطة لحوالى عقد من الزمن من أجل إصلاح ما اقترفته آلة القتل الإسرائيلي.

وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله "أنّ الحكومة وضعت خطة من أجل الإغاثة العاجلة لأهالي قطاع غزّة تتضمّن إصلاح المنازل المتضرّرة بشكل جزئي وبشكل سريع، واستئجار منازل للعائلات التي دُمِّرَت منازلها بالكامل وتأمين منازل وخيم للسكن المؤقت، وإصلاح شبكات المياه والكهرباء، والبنى التحتية، وتأمين اللوازم الطبية للمستشفيات والمسارعة إلى تأهيل المدارس المتضرّرة من أجل انطلاق العام الدراسي، والبدء بالتحضير لإعادة إعمار قطاع غزّة من خلال مؤتمر الدول المانحة الذي سيتم عقده في العاصمة المصرية القاهرة بالتعاون بين حكومة مصر والنروج وفرنسا".

وصية المفتي دريان للفلسطينيين

أما على الساحة الفلسطينية في لبنان، فإنّ القوى الفلسطينية تؤكد بكافة فصائلها وقواها، وحدة موقفها، وأنّ ما يجري من تباين في وجهات النظر بين القيادة المركزية الفلسطينية لن يؤثّر على الساحة الفلسطينية في لبنان، وهو ما أثبتته التجارب خلال الفترات الماضية، حيث كان التباين بين القوى الفلسطينية مركزياً، فيما كانت الفصائل والقوى الفلسطينية تسبق قيادتها بخطوات بتحصين الموقف الداخلي الفلسطيني وصولاً إلى تشكيل وفد فلسطيني مشترك يزور مختلف القيادات اللبنانية، وهو ما تؤكد القيادات الفلسطينية على الاستمرار به، خاصة أنّ لبنان يمر بمرحلة دقيقة، وهناك مَنْ يسعى إلى إدخال العامل الفلسطيني في أتون التجاذبات الداخلية اللبنانية، فيما الفلسطينيون يؤكدون التزامهم بعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية اللبنانية والمحافظة على الأمن والاستقرار في لبنان.

وكان من التأكيد على الوحدة الفلسطينية في لبنان، استقبال مفتي الجمهورية المنتخب الشيخ عبد اللطيف دريان، في دارته في بيروت وفداً فلسطينياً كبيراً في لبنان برئاسة السفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور، وضم: فتحي أبو العردات (فتح)، علي بركة (حماس)، أبو النايف (الجبهة الديمقراطية)، أبو حسن غازي (الصاعقة)، صلاح اليوسف (جبهة التحرير الفلسطينية)، شكيب العينا (الجهاد الإسلامي)، غسان أيوب (حزب الشعب)، محيي الدين كعوش (الجبهة العربية الفلسطينية)، أبو العبد تامر (جبهة النضال)، محمود حمد (أنصار الله)، أبو نبيل (فتح – الانتفاضة)، أبو سليمان السعدي (عصبة الأنصار الإسلامية) وعيسى المصري (الحركة الإسلامية المجاهدة)، بحضور الزميل هيثم زعيتر.

وقد سمع الوفد من مفتي الجمهورية الشيخ دريان كلاماً تأسيسياً حول القضية الفلسطينية كقضية دينية عربية مركزية، وفي إشارة خاصة ميز بها الوفد، فقد نشر موقفه الذي أعلنه خلال اللقاء - بخلاف ما اعتمده مع كل زواره قبل تنصيبه مفتياً - بأن "وصيته هي وحدة الفصائل الفلسطينية في لبنان على وجه التحديد، كعنصر أساسي للحفاظ على وحدة القضية، ولحماية المخيمات الفلسطينية من الاختراق، ولخدمة الشعب الفلسطيني كإخوة ضيوف إلى حين عودتهم مظفرين إلى أرض فلسطين الحبيبة".