يُواجه رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ حملات مُتصاعدة على مواقع التواصل الإجتماعي وفي الأوساط الشعبيّة، من قبل مُناصرين لـ"تيار المستقبل" ولقوى "14 آذار"، وذلك نتيجة إعتماده سياسات لم تستوعبها القاعدة الشعبيّة المؤيّدة له، على الرغم من التبريرات التي جرى تقديمها لها عند كل محطّة. وأبرز الإعتراضات، خاصة "المُستقبليّة"، على سياسات الحريري، تتمثّل بالتالي:

أوّلاً: التراجع وبفترة زمنيّة قصيرة عن المواقف المتشدّدة إزاء "حزب الله" عند إتخاذ قرار الدخول إلى الحكومة الحالية، الأمر الذي أثّر سلباً على معنويّات جزء كبير من قاعدة "تيّار المستقبل" التي لم تفهم خلفيّات هذا التحوّل، وأدّى إلى إقتناع جزء منها بالترويج الإعلامي لقوى "​8 آذار​"، من أنّ "المستقبل" وقع بفخّ مواجهة "التيّارات الإسلامية"، كما يريد "حزب الله"، حرصاً على نفوذه ومصالحه لا غير، علماً أنّ التبرير الحريريّ لهذه الخطوة، هو ضرورة العودة إلى السلطة وعدم ترك الساحة للخصوم، خاصة وأنّ حصّة "المستقبل" هي رئاسة الحكومة ومجموعة من الوزراء في مواقع أمنيّة وحسّاسة مختلفة.

ثانياً: عدم إعلان موقف صريح ومباشر من قبل الحريري بالنسبة إلى مسألة رفض دعم رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح"، العماد ميشال عون، في معركة الإنتخابات الرئاسية، الأمر الذي أربك مواقف كل قوى "14 آذار" نتيجة فتح المجال لإجتهادات واسعة بشأن حقيقة موقف رئيس "تيّار المستقبل"، إستغلّها "التيار الوطني الحرّ" ومن معه وخلفه، للترويج إعلامياً لإتفاقات ولصفقات غير صحيحة. والتبرير الحريريّ لهذا التصرّف هو ضرورة تبريد الساحة الداخلية، وعدم الرغبة بالإستمرار بسياسة الحملات المتبادلة مع "العونيّين".

ثالثاً: عدم العودة إلى لبنان لتولّي قيادة تحالف قوى "14 آذار"، ولتحديد السياسة العامة مع الحلفاء، الأمر الذي أسفر عن تراجع في حضور هذه القوى، وفي تشتّت كبير في مواقف أطرافها المتعدّدة، وفي بروز أكثر من رأي ومن إجتهاد بين هذه القوى في أمور أساسية ومصيريّة يُفترض نظرياً أن يكون التوافق بشأنها تاماً ومحسوماً. والتبرير الحريري لذلك أنّ المخاطر الأمنية والظروف السياسية التي كانت وراء قرار مغادرة لبنان لا تزال قائمة، دون أن يعني ذلك أنّ الحريري لن يعود في زيارات خاطفة كلّما دعت الحاجة في إنتظار العودة النهائية الدائمة.

رابعاً: عدم الردّ على الحملات التي تتحدّث تارة عن شرخ بين رئيس "تيّار المستقبل" ورئيس كتلة "لبنان أوّلاً"، وكأنّ الحريري لا يُغطّي مواقف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وعدم الردّ أيضاً على الحملات التي تطال نوّابًا يَنتمون إلى "المستقبل"، والتنصّل منها في بعض الأحيان، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام الخصوم للإنقضاض على "تيار المستقبل" وللحديث عن ضعف يطال بنيته وللإسترسال في الترويج لإنقسامات في صفوفه. والتبرير الحريريّ لذلك أن لا خلاف إطلاقاً مع السنيورة أو غيره، حيث أنّ كلّ شخصيّة في "تيّار المستقبل" تُعبّر بشكل مختلف نتيجة إختلاف موقعها الرسمي والحزبي، لكن من غير الممكن تبنّي أو دعم أيّ مواقف متشدّدة في ظلّ الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان والمنطقة ككل.

خامساً: عدم مُواكبة مُجريات إنطلاق ​المحكمة الدولية​ في قضيّة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، بعد سنوات طويلة من الجهود التي كلّفت لبنان عشرات الشهداء في تفجيرات غادرة حاولت منع قيام المَحكمة والنيل من قوى "14 آذار"، وبعد تعبئة جماهيريّة تبخّرت كلّها مع إنطلاق المُحاكمة نتيجة تسخيف الخصوم لها، وعدم جدّية الحريري في التعاطي مع إتهاماتها الخطيرة. والتبرير الحريريّ أنّ إجراءات المحكمة قائمة ومستمرّة، لكن مواكبتها بالحملات الداخليّة، خاصة الإعلاميّة، غير ضروري ومن شأنه أن يزيد الأمور توتيراً وقد يُعرّض السلم الأهلي للخطر في ظلّ الأوضاع الداخليّة الحسّاسة.

في الخلاصة، وبغضّ النظر عن صوابيّة الإنتقادات الذاتية في أوساط قوى "14 آذار" عموماً وفي أوساط "تيّار المستقبل" بالتحديد، وبغضّ النظر عن مدى قدرة الحريري على إستيعابها وعلى تقديم التبريرات المُقنعة لقاعدته الشعبيّة بالنسبة إلى السياسات التي يعتمدها في المرحلة الأخيرة، الأكيد أنّ الخلل موجود ويتصاعد مع الوقت، والنَقمة المتزايدة على رئيس "تيّار المستقبل" تأخذ قسماً من قاعدته الشعبيّة نحو التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة، في الوقت الذي يُعوّل الكثيرون على توسّع ساحة الإعتدال السنّي في الداخل اللبناني لإمتصاص إرتدادات الأحداث المذهبيّة في المنطقة، وليُشكّل قاعدة تُحتذى لمن يعارض سياسة السيطرة الإقليمية التي تقودها إيران مباشرة أو بالواسطة في الشرق الأوسط، لكنّه يُناهض كلّياً جماعات التخلّف الديني والهمجيّة العقائديّة، ويحتاج لبديل مُعتدل عنها، شرط أن يكون قوياً وحازماً.