لا يتعاطى المعنيون بالملف الرئاسي بلامبالاة مع مرور 130 يومًا على شغور سدّة الرئاسة. فهم لم يتأقلموا مع الفراغ الضارب بقصر بعبدا بالرغم من إمكانية مرور أشهر طويلة والبلاد تديرها حكومة تمام سلام. الاحباط بدأ يتسلل مؤخرًا إلى نفوس هؤلاء تمامًا كما تملّك ومنذ مدة نفوس المواطنين المسيحيين... فجمهور "التيار الوطني الحر" محبط من عدم امكانية انتخاب صاحب أكبر كتلة مسيحية وحليف أقوى حزب، باشارة الى "حزب لله"، رئيسا للجمهورية، تمامًا كما جمهور مسيحيي قوى "14 آذار" المحبط بدوره من قدرة العماد ميشال عون على ابقاء سدة الرئاسة شاغرة حتى يأمر بالعكس.

الاحباط الأكبر طرق أبواب البطريركية المارونية الّتي تَعْتَبِر أنها المعنيّة الأولى بالملف، وهي وجدت نفسها عاجزة ومنذ أيار الماضي عن إحداث أي خرق في جدار الأزمة، فويلها أن تقف بصف هذا ضد ذاك، وويلها أن تعلن العجز. الاحباط وصل بها مؤخرًا لحدّ الربط بين ​الانتخابات الرئاسية​ ومشروع تهجير المسيحيين من المنطقة.

مصادر مقربة من البطريركية حذّرت من أنّ عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية يخلف الرئيس الأسبق ميشال سليمان قبل رأس السنة يعني انسحاب قرار تهجير المسيحيين في سوريا والعراق على مسيحيي لبنان، قائلة: "مسيحيو البلدان المجاورة هُجّروا بالجملة لكنّ مخطط تهجير مسيحيي لبنان يبدو أنّه سيكون بالمفرق!"

العماد عون جنرال الرابية ورئيس تيّار المردة النائب ​سليمان فرنجية​ لا يزالان متماسكين، هما يعوّلان على وجود "حزب الله" الذي يتصدى برأيهما لأي مشروع لتهجير المسيحيين، في حين أن الوضع مختلف في بكفيا ومعراب، حيث بدأ الاحباط يتسلل لحد بات كل من رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ ورئيس الجمهورية السابق ​أمين الجميل​ يغرّدان كل على حسابه، فالأخير قرّر مصارحة حليفه في "14 آذار" ومنافسه الى الرئاسة عبر الاعلام، داعيًا ايّاه للانسحاب عسى أن تتبنى باقي مكونات فريقه السياسي ترشيحه.

أحد سفراء الدول الكبرى أبلغ مؤخرًا المعنيين بالموضوع الرئاسي أنّه بات بيدي فريقين أساسيين هما "حزب الله" والفاتيكان، فالحزب هو الطرف المفاوض في حلف ايران–سوريا، والفاتيكان يتولى الدفة بحلف أميركا ومن خلفها المملكة العربية السعودية. وقد أخذت القيادات المسيحية معلومات السفير على محمل الجد وهي تسعى حاليًا لدى "حزب الله" بمحاولة للتفاوض مع عون على ايجاد مخرج للأزمة فيكون للبلاد رئيسٌ خلال 2014 أي في الشهرين المقبلين، لكن الحزب الذي يرى نفسه متضررًا من استمرار الفراغ الرئاسي نظرا لانشغاله بملفات أكبر تأخذ طابعًا أمنيًا خطيرًا، لم يعط طارقي أبوابه أي اشارات ايجابية أو سلبية على حد سواء.

فالبحث بأسماء المرشحين للرئاسة متوقف ومنذ مدة، وحده ترشيح قائد الجيش جان قهوجي يبدو منتهيًا بفيتو من الرابية، أما باقي الأسماء فباتت جميعها على مستوى واحد من حيث الحظوظ، على أن يُحسَم اسم الرئيس المقبل في الربع ساعة الأخيرة.

ولعلّ إحجام المسيحيين عن التقدم الى وظائف الدولة وخصوصًا المؤسسات الأمنية أكبر دليل على كمّ الاحباط المسيطر على المجتمع المسيحي، وهو ما دفع وزيرًا مسيحيًا سابقًا لاستعارة مقولة أنّ قهر السنة هو ما ولّد داعش... فتحدث عن قهر يعيشه المسيحيون لا يُعرف ما قد يولّده.