يتميز المجتمع التونسي بالطبيعة الحزبية وتنوُّع الأحزاب فيه، وبخلفيته الفكرية والسياسية ما بين الليبرالية واليسارية والقومية العربية والإسلامية..

ويعتبر "حزب النهضة" في الوقت الحاضر من بين أهم الأحزاب السياسية في تونس، وقد اعتمد على مبدأ التعاون مع الأحزاب الأخرى في إدارة الحكم، وتحالف مع حزبين آخرين، أحدهما "المؤتمر" من يسار الوسط، ويترأسه "شرفياً" المنصف المرزوقي، والثاني "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، من الاشتراكيين الديمقراطيين.

استفاد "حزب النهضة" من تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر، فقرر تقاسم السلطة مع العلمانيين، وابتعد عن خيار الاستئثار بها، وقد عبّر رئيس الحزب الشيخ راشد الغنوشي عن ذلك، على الرغم من فوزه بأغلبية النواب، ثم استقالوا من السلطة التنفيذية لأنهم لم ينجحوا في إقناع القوى المختلفة بأدائهم الحكومي، وذلك لتلافي ردات الفعل التي قد تجرّ تونس إلى توترات أمنية يمكن أن تستفيد منها المجموعات التكفيرية التي تجد في تونس بيئة حاضنة لها، سيما أن أعداداً كبيرة منها قد ذهب للقتال في سورية، وتفاهموا مع المكونات الأخرى على تشكيل حكومة تكنوقراط مهمتها الاستمرار في العملية الإصلاحية، وإجراء الانتخابات الدستورية.

تونس اليوم أمام استحقاقين دستوريين:

الأول: الانتخابات البرلمانية في 26 تشرين الأول الحالي، والتي أعلن راشد الغنوشي عن تفاؤله بفوز مرتقب لحزبه فيها، وقد قال الباحث الألماني "لوتز روغلر" إنه لا يستطيع أن يتوقع بشكل نهائي كيف ستكون نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، إلا أنه يعتقد أن "حزب النهضة" يمتلك شعبية كبيرة في تونس، بالرغم من العراقيل الكثيرة التي ظهرت خلال فترة حكمه، فالحزب نجح في الكثير من الرهانات، ومن بينها الحيلولة دون وقوع صدام بين المعسكر الإسلامي والمعسكر العلماني، وكذلك نجح في العملية الانتقالية في تونس.

الثاني: الانتخابات الرئاسية في 23 تشرين الثاني المقبل، والتي يرجَّح فيها أن يكون الرئيس توافقياً، ويبدو أن المنصف المرزوقي هو الأوفر حظاً لها.

وإلى أن يحين موعد الاستحقاقين؛ الرئاسي والتشريعي، هل سيقوم حزب النهضة بتقويم تجربته التشريعية والتنفيذية؟ وهل سيؤسس لسياسات جديدة على ضوء تجربته السابقة؟ وهل سيتصدى للرئاسة إذا ما فاز بالأغلبية النيابية في المجلس التشريعي، أو سيكتفي بالمشاركة التنفيذية ضمن حكومة ائتلافية؟

علينا أن ننتظر لنرى ما ستؤول إليه الأمور في تونس، مع تقديرنا أن خيار الإصلاح هو خيار التعاون مع جميع مكونات المجتمع التونسي، لأنه يوفر المناخ المناسب للسير بالعملية الإصلاحية، ولعدم إفساح المجال أمام أية نزاعات قد يستفيد منها الآخرون، حتى لا تصل تونس إلى ما وصلت إليه بعض دول "الربيع العربي"، التي صارت مسرحاً للحروب الداخلية، وأتاحت بيئة حاضنة للتكفيريين، وأرضاً خصبة لصراع الآخرين على أرضها.