أجبرت المقاومة التي أبدتها قوات حماية الشعب الكردي، في مدينة ​كوباني​، القوى الغربية على تبديل موقفها من أكراد سوريا، لدرجة لم تعد وزارة الخارجية الأميركية مُحرَجة في الإعلان على لسان المتحدثة الرسمية باسمها جين ساكي عن محادثاتٍ تحصل مع قيادات في حزب "الإتحاد الديمقراطي".

ساكي كانت واضحة بأنّ هذه المحادثات، التي عقدت في نهاية الاسبوع المنصرم، كانت قائمة منذ فترة عن طريق وسطاء، ولكنها تحولت إلى المفاوضات المباشرة خلال الفترة الماضية، وتوقعت اجراء المزيد من المحادثات مستقبلاً، لكن ما ينبغي التنبه له هو أنها تعتبر رسالة واضحة إلى الحكومة التركية التي تبدي هواجسها من أيّ إعتراف بالإدارة الكردية في الشمال السوري.

من وجهة نظر مصادر متابعة لهذا الملف، فإنّ الإعلان عن هذه اللقاءات لم يأت من فراغ، هو نتيجة قناعة بأن من الممكن الإستفادة من القوات الكردية في محاربة تنظيم "داعش" على الأرض السورية، وما حصل في كوباني أكبر دليل على ذلك، حيث تمكنت هذه القوات من صدّ هجوم التنظيم الإرهابي، لا بل من الممكن الحديث عن تحولات إيجابية على الصعيد الميداني خلال الأيام القليلة المقبلة.

وتشير هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ الولايات المتحدة التي ترفض الدخول في مواجهة برية مع "داعش"، تعتبر أنّ ​الأكراد​ قادرون على تولي هذه المهمة، من خلال تقديم الدعم الجوي لهم عبر الغارات التي تنفذ من قبل الدول المشاركة في التحالف الدولي، وتؤكد أن التنسيق بين الجانبين بات في الأيام الأخيرة على مستوى عالٍ من الدقة.

في هذا السياق، تبدي مصادر رفيعة المستوى في حزب "الإتحاد الديمقراطي"، عبر "النشرة"، عن ارتياحها لهذه المحادثات، لا سيما بعد الإعلان عنها من الجانب الأميركي، وتشير إلى لقاءاتٍ مباشرة كانت تُعقد في السابق في أوروبا، من دون الإعلان عنها بطلب أميركي، وتلفت إلى أن الحزب كان يرى أنّ الإلتزام بذلك يصبّ في مصلحته، لكنها تؤكد أنّ اللقاء الأخير كان الأول من نوعه من حيث مستوى المشاركين من الجانبين.

وتكشف هذه المصادر أنّ اللقاءات الخارجية لا تقتصر على المسؤولين الأميركيين، لا بل هناك محادثات تحصل مع جهاتٍ أوروبية متعددة، لكنّ الإعلان عنها سيكون في مرحلةٍ لاحقة، نظراً إلى أنّ بناء الثقة يتطلب السرية من الجانبين.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما حصل في كوباني كان العامل الأساسي في دفع الدول الغربية إلى تبديل موقفها من أكراد سوريا، خصوصاً أنّ قوات حماية الشعب الكردي أعلنت منذ اللحظة الأولى رغبتها بالمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً، واليوم يمكن الحديث عن تنسيقٍ مباشر مع هذا التحالف.

وتوضح المصادر أنّ ما يمكن الحديث عنه، بالنسبة إلى المحادثات مع المسؤولين الأميركيين، هو أنها تتناول نقاطًا إستراتيجية بالنسبة إلى محاربة "داعش"، ومستقبل الأوضاع في سوريا والنظرة الأميركية إلى القضية الكردية، ناهيك عن العلاقة مع قوى المعارضة المدعومة من الغرب.

وتنطلق المصادر من مواقف العديد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، لتأكيد التبدّل في النظرة إلى الأكراد في سوريا، منها على سبيل المثال مواقف وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، بالإضافة إلى رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي الديمقراطي في ألمانيا فولكر كاودر، الذي أعلن أنه لا يستبعد تسليح حزب "العمال الكردستاني" المحظور.

في الختام، تعرب المصادر عن تفاؤلها بالنسبة إلى هذه العلاقات في المستقبل، لما فيه خير الشعب الكردي والسوري، وتتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تطورات مهمة على صعيد الأوضاع الميدانية في كوباني، لكنها لا تنفي إدراكها بأن الحكومة التركية تعمل جاهدة لعرقلتها، وتضع إستهداف مراكز حزب "العمال الكردستاني" من قبل القوات التركية في هذا السياق، نظراً إلى أن أنقرة تفضل "داعش" على الأكراد.