في لبنان عندنا وزارة طاقة ولكن ليس عندنا طاقة، وعندنا مؤسسة كهرباء وليس عندنا كهرباء، وعندنا باخرة مستأجرة لإنتاج الكهرباء وليس عندنا نتائج، وعندنا مولِّدات كهرباء خاصة وبالكاد عندنا كهرباء.

بالتأكيد، هذا الكلام الذي يبعث على التشاؤم، لا يُفاجئ أحداً، لأنَّ المعاناة ليست سراً وليست حكراً على أحد، فأيُّ مواطنٍ لبنانيّ يقوم بحسبةٍ بسيطةٍ في موازنته الشهرية بين مدخوله ومصاريفه، يجد أنَّ القسم الأكبر من هذه المصاريف يذهب هدراً للوزارة وللمؤسسة وللباخرة وللمولِّد الخاص، وفي المقابل لا يتمتَّع إلا بلمعة بسيطة من الكهرباء.

***

حين كتبنا عن هيئة إدارة قطاع البترول كان القصدُ من وراء هذه الكتابة الإضاءة على القطاع وليس على الهيئة، نحن نعرف قبل غيرنا أنَّ الطاقات البشرية هي أغلى ثروة للبنان، ونعرف من المقيمين ومن المغتربين كم يذخر قطاع الشباب والجيل الجديد بإمكانات علمية رائعة، وذهنية فذة جعلت أصحابها يتبؤون أعلى المراكز وأكثرها دقّةً وأهمية وحساسية في الشركات العالمية.

ولأنَّ مصداقية هؤلاء على المحك فإنَّه عليهم، قبل غيرهم، رفع الصوت عالياً لتحريك الهيئة التي يتسلمون مسؤوليتها. بمعنى آخر، نحن الإعلام والهيئة في خندق واحد وجبهة واحدة ولسنا في خندقين متقابلين أو جبهتين متواجهتين، ففي بيان الردِّ علينا يعترفون بتعطيلٍ وتجميدٍ مستمرلعملية بناء قطاعٍ حيويّ أحوج ما نكون إليه اليوم لخلاص وطننا، إننا في هذه الأوقات الصعبة بأمسِّ الحاجة إلى دور الإعلام ليكون المحرِّك الأساس لتفعيل استكمال دورة التراخيص في الملفِّ النفطيّ، والمساءلة عن أسباب التعطيل والإمعان في إضاعة الفرص وحجب قدرات الشباب اللبناني.

هكذا وضعت هيئة إدارة قطاع البترول الإصبع على الجرح، ولكن مهلاً، فلو لم نُثر نحن هذه القضية هل كانت تكلَّمت هذه الهيئة؟

ألا تعرف هي أنَّ الصمت في بعض الظروف مميت؟

إنَّ ما قمنا به يمكن إدراجه في خانة الإستفزاز الإيجابي لحثِّ الهيئة على الخروج عن الصمت وكشف التعطيل والتجميد المستمر لبناء قطاع حيوي، وبعد هذا الكشف لماذا لا تضع الهيئة يدها بيد الإعلام لنكشف معاً مكامن التعطيل وأدواته والجهات التي تقف وراءه؟

نحنُ رمينا الحجر وحرَّكنا المياه الراكدة، وما على الهيئة سوى الإفادة من هذه الرمية، لنستخرج الحقيقة طالما استخراج النفط دونه تعطيل وتجميد.

***

أما عن الكهرباء فإنَّ صمت وزير الطاقة ظالمٌ ومظلم كالكهرباء تماماً، فما هي الحكمة من هذا الصمت؟

ألا يحقُّ للناس أن تعرف أسباب معاناتها؟

لماذا لا يجري تقديم اقتراح قانون لإلغاء وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان وجعل الإنارة في البلد على عاتق المولِّدات الخاصة؟

أليس هذا الإقتراح هو الأنجح والأنجع لنتخلَّص من الأعباء المضاعفة في المازوت والفيول والحصول على الإنارة لبضع ساعات فقط؟

تكلَّم يا معالي الوزير، فَجِّر ما عندك، ضَع رئيس الحكومة أمام مسؤولياته، وكذلك ضَع الحكومة مجتمعةً أمام مسؤولياتها، فما يجري عارٌ على البلد بكلِّ المقاييس.

***

منذ أعوامٍ صدر تقريرٌ عن البنك الدولي عن واقع الكهرباء في لبنان، أشار إلى الفساد والمصالح الخاصة التي تضرب هذا القطاع، إذا كنت يا معالي الوزير لا تريد أن تتكلَّم فعلى الأقل إكشف مضمون هذا التقرير وهو مطويٌّ في أًدراج وزارتك. وإذا لم تفعل فإلى متى سنبقى ننتظر التعتيم الشامل وهو يزحف إلى بيوتنا؟