ليست وحدها الولايات المتحدة القادرة على إعلان مرحلة جديدة من حربها على "داعش"، فالتنظيم نفسه أعلن قبل أيام قليلة عن مرحلة جديدة من الصراع تقوم على توسيع رقعة المعركة نحو مناطق جديدة، والهدف منها على ما يبدو تشتيت قوة التحالف الدولي المتردد في حربه على الإرهاب، بحيث تخرج المعركة من الأراضي السورية والعراقية لتشمل بلدانا أخرى، بعيدة وقريبة، عن المشرق العربي، لكن الرد على زعيم "داعش" ​أبو بكر البغدادي​ جاء من فرع تنظيم "القاعدة" في اليمن، ليفتح معه سجالاً جديداً بين التنظيم "الأم" و"الإبن" الضال الخارج من رحمه.

في الثالث عشر من الشهر الحالي، خرج "الخليفة" إلى "جمهوره" بتسجيل صوتي، كان الهدف الأساسي منه نفي الشائعات التي تحدثت عن مقتله في إحدى الهجمات التي حصلت في منطقة الموصل العراقية، إلا أن البغدادي أعلن في التسجيل نفسه، ما يمكن وصفه بـ"المرحلة الجديدة من الصراع"، من خلال توجهه إلى الجماعات والحركات القائمة في بلدان أخرى، ودعوتها إلى إعلان البيعة والإنضمام إلى صفوف "الدولة"، مستفيداً من البيعات التي حصل عليها "داعش" من ليبيا ومصر واليمن وغيرها من الدول الأخرى.

في خطاب البغدادي، كانت الدعوة واضحة إلى "تفجير براكين الجهاد في كل مكان"، مؤكداً أن "الخلافة امتدت إلى السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر"، لافتاً إلى أن ضربات التحالف الدولي لم ولن توقف "زحف" التنظيم، موضحاً أن "زحف المجاهدين سيستمر حتى يصلوا روما"، مشدداً على أن "جنود الدولة الإسلامية لن يتركوا القتال أبداً، حتى ولو بقي منهم جنديا واحدا".

من جهة ثانية، كان البغدادي يعلن أن "جنوده" ينتظرون المرحلة الثانية من الحرب التي أعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، من خلال الإشارة إلى "أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن سيكون مضطرا للنزول إلى الأرض لقتالنا"، وهو ما يؤشر إلى أن الضربات الجوية لم تؤدّ إلى إنهاء التنظيم، الذي يعتبر أن القتال البري سوف يكون دافعاً جديداً له، فهو تكتيك قديم كان تنظيم "القاعدة" يستخدمه في السابق مراراً.

أمام هذه الإستراتجية الجديدة الواضحة، كان الرد من فرع تنظيم "القاعدة" في اليمن، الذي خرج بالأمس في بيان يتهم "داعش" بشق صفوف "المجاهدين" على امتداد دول العالم الإسلامي، وتصدير الفتنة إلى بلاد شتّى، بعد تنصيب البغدادي خليفةً للمسلمين، ويدعوه فيه إلى التراجع عن فتاويها التي ألزمت بقية الفصائل "الجهادية" ببيعة البغدادي.

وعلى الرغم من "إطراء" التنظيم على البغدادي بوصفه بـ"الشيخ الجليل"، وإطلاق اسم "الدولة الإسلامية" دون وضع صفة "تنظيم" لها، الا أنه اعتبر أن "السياسة الشرعية" التي يتبعها البغدادي و"شرعيوه" تخالف شرع الله وسنة رسوله، معلناً عدم اصطفاف "قاعدة اليمن" إلى جانب أي فريق في سوريا على حساب الآخر، ومعتبراً أن عقد محكمة شرعية بين الفصائل المتقاتلة، سيكون هو المنقذ لـ"الثورة" السورية التي ستتوحد مجدداً ضد النظام "النصيري".

من ناحية أخرى، رأى أن خلافة البغدادي لم تستوف الشروط المطلوبة من دفع العدو الصائل، وتوفير الحماية للمسلمين، وغيرها من الشروط، كما أكد أن إعلان التمدد في بلدان ليس لهم سلطة عليها، كمصر، وليبيا، واليمن، والجزائر هو مخالف لـ"الشرع"، ومن شأنه خلق فتنة كبيرة بين "المجاهدين" في تلك البلدان.

وجدد بيعة تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب لأيمن الظواهري، الذي له بيعة منعقدة للملا محمد عمر أمير حركة "طالبان"، لكنه دعا جميع الفصائل "الجهادية" إلى نصرة تنظيم "الدولة الإسلامية" والجماعات الأخرى، التي تواجه قصفاً مستمراً من طائرات "التحالف الصليبي".

وشكل هذا البيان مصدرًا جديدًا للنزاعات بين أنصار "القاعدة" و"داعش" على مواقع التواصل الإجتماعي والمنتديات "الجهادية"، لا سيما أنّ جميع المعلومات كانت تشير إلى أنّ "مجاهدي" اليمن أعلنوا البيعة للبغدادي، في حين تؤكد مصادر مطلعة أنّ بعضهم قام بذلك لكنّ الأغلبية لا تزال على بيعة الظواهري، مشيرة إلى أنّ بعض المجموعات التي كانت أعلنت البيعة لـ"داعش" عادت عن ذلك في الأيام الأخيرة.

وفي الوقت نفسه، خرج أنصار "الدولة" للرد على البيان الصادر من اليمن، معتبرين أن "هوى الجماعات والتشبث بها هو روح هذه الأعمال المغشوشة"، في حين كان أنصار فرع "القاعدة" في سوريا، أي جبهة "النصرة" من أكثر المرحبين به.

وذكرت مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أنّ البيان السابق الذي صدر عن فرع تنظيم "القاعدة" في اليمن كان محلّ ترحيب من أنصار "الدولة"، في حين رُفِضَ من أنصار "النصرة"، حيث أعرب عن تضامنه مع مقاتلي "داعش" ضد التحالف الدولي، داعياً إلى تناسي المشاكل بينهما، إلا أن نفي صفة "الخوارج" عن أنصار "الدولة" أدى إلى بروز خلافات على نطاق واسع بين فرعي "القاعدة" في اليمن والشام.

وأشارت المصادر إلى أنّ البيان الصادر، يوم أمس، رد على الكثير من الأسئلة التي طرحت من قبل أنصار "القاعدة" في الشام بشكل أساسي عند صدور البيان الأول، إلا أنّ توقيته كان مؤشراً على أنه ردّ مباشر على التسجيل الأخير لزعيم تنظيم "القاعدة"، لافتة إلى أنّ الأيام المقبلة قد تحمل المزيد من التطورات على هذا الصعيد.

في المحصلة، أوضحت هذه المصادر أنّ ما يحصل في صفوف الجماعات "الجهادية" في اليمن نموذج عن الحال التي تمر بها كل هذه التنظيمات حول العالم، حيث بات هناك تنافسٌ كبيرٌ بين "القاعدة" و"داعش" على "الزعامة"، متوقعة أن يكون هناك تداعيات كبيرة على الساحة اليمنية في الأيام المقبلة لهذا الموضوع.