منذ عهد الاستقلال لم يسلم لبنان من أزمات الحكم، ففي سنة 1952 عهد الرئيس بشاره الخوري اعتكف وجهاء الطائفة السنية عن تولي رئاسة الوزارة، وفي اواخر عهد الرئيس كميل شمعون اعتكفوا أيضا ما عدا الرئيس سامي الصلح الذي تعرض لمحاولة اغتيال، وكذلك الامر اعتكف الرئيس رشيد كرامي سنة 1969 زهاء سبعة اشهر عن تأليف الحكومة، وفي سنة 1973 قاطعوا الرئيس سليمان فرنجيه ما عدا الرئيس امين الحافظ الذي قبل ولم يوفق في تأليف الوزارة.

وهكذا استمرت الازمات تحت شعار المشاركة والاصلاحات الدستورية الذي كان سببا لحرب أهلية دامت خمس عشرة سنة الى ان تم التوافق على وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وانتزاع بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية بموجب التعديل الدستوري في سنة 1990 ولكن مع اعتماد المناصفة في المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين (عملا بالمادة 24 دستور المعدلة) وعلى ان يكون قانون الانتخاب الجديد مراعيا للتمثيل الحقيقي في الندوة البرلمانية. إلا ان هذا الامر لم يتحقق طيلة الفترة الممتدة من سنة 1990 ولغاية الآن على الرغم من المطالبة به من قبل قوى سياسية فاعلة ووازنة.

ومن هنا، فان الاعتكاف عن انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس ميشال سليمان، الذي نشهده اليوم على غرار الامس، له مبرره الدستوري والميثاقي ولا يجوز ان يقابل بالسلبية او بجريمة تمديد المجلس النيابي لنفسه، فضلا عن ان الاعتكاف لا يعـد شيئا مذكورا بالمقارنة مع هذا التمديد المتمرد على سلطة الشعب صاحب القول الفصل والحكم الاعلى في المسائل الكبيرة في الدولة، علمًا أنه من حق النائب التعبير عن موقفه سواء بالحضور الى المجلس من عدمه او الحضور والانسحاب أو التصويت او الامتناع عنه، ويستشف من عدم حضوره ان هناك اشكالا سياسيا هاما يتعلق بقانون الانتخاب الذي كان يجب معالجته من داخل مؤسسة المجلس النيابي منذ عشرات السنين.

اضف الى ذلك، فانه لا يوجد في الدستور اللبناني حالة فراغ تبرر تمديد المجلس النيابي لنفسه سواء استنادا الى المادة 55 منه التي تنص في فقرتها الثانية: "وفي حال عدم اجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنهــا في المادة الخامسة والعشرين من الدستور يعتبر مرسوم الحل باطلا وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقا لاحكام الدستور"، او المادة 74 من الدستور التي تسد اي فراغ حتى في حال خلو سدة الرئاسة وعدم وجود مجلس نيابي في آن0 واكثر من ذلك، فانه يبقى، وفي جميع الاحوال، من واجب الحكومة بعد انتهاء ولاية المجلس النيابي دعوة الهيئات الانتخابية دون ابطاء حتى ولو كانت حكومة تصريف اعمال.

ويستفاد من ذلك ان الحكومة والنواب "الممدديـن" قد قصدوا اللجوء الى التمديـد للمجلس النيابي "المنتهيــة ولايته" من اجل التمديد وليس خوفا من الفراغ المزعوم بل لاسباب سياسية طائشة او معروفة الدوافع لا علاقة للاحكام الدستورية بها.