فيما تزداد المواجهات في القدس المحتلة والاراضي المحتلة عام 48 بين الفلسطينيين المنتفضين ضد سياسات الاحتلال والاستيطان والتعسف والتمييز العنصري ومحاولة الحكومة الصهيونية تكريس هذه السياسات عبر اقرار مشروع الدولة اليهودية في الكنيست بعد المصادقة عليه في الحكومة على الرغم مما يحمله هذا المشروع من تداعيات دولية لا تصب في مصلحة اسرائيل حسب رأي العديد من الاسرائيليين المعارضين للمشروع.

بدأت تطرح مبادرات واقتراحات اسرائيلية وأميركية تدعو الحكومة الاسرائيلية إلى اعتمادها لاجل احتواء الهبة الشعبية الفلسطينية وعمليات المقاومة الشعبية التي باتت تقلق الاسرائيليين، والالتفاف على الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وبالتالي اخراج اسرائيل من المأزق الذي باتت تقبع فيه ويؤدي الى فقدان الأمن بالداخل، وخسارة المزيد من التأييد الدولي وتزايد اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية وتحميل حكومة نتانياهو مسؤولية توقف المفاوضات وايصال الأمور إلى طريق مسدود نتيجة الاصرار على مواصلة سياسة الاستيطان والتهويد والاعتداء على المسجد الأقصى، مما تسبب بتفجير المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال والمستوطنين، ولجوء الشبان الفلسطينيين إلى الدفاع عن حقوقهم عبر القيام بعمليات الدهس والطعن لدفع العدوان المتمادي على ارضهم ومقدساتهم.

وتمثلت هذه المبادرات بثلاث:

الأولى: في اقتراح ضابط الاحتياط، عاموس غلبوع، الذي عمل في السابق في شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، مواجهة تراجع المكانة الدولية لـ «إسرائيل» عبر أخذ زمام المبادرة وتقديم «مفاجأة سياسية».

واقترح الضابط الرفيع أن «تعلن إسرائيل اعترافها بالدولة الفلسطينية برئاسة أبو مازن على أن يتم تحديد حدودها في المفاوضات والاتفاق على الترتيبات الأمنية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، كجزء من اتفاق سلام شامل مع الدول العربية».

وتابع: «كعربون جدية، تعلن إسرائيل أنها خلال ستة شهور ستوقف البناء في الضفة الغربية باستثناء الأحياء اليهودية في القدس. وبالنسبة للقدس، تؤكد إسرائيل بأنها لن تغير الوضع القائم(ستاتيكو) في جبل الهيكل(الأقصى)، وأن تبادر إلى الدعوة لمؤتمر دولي بمشاركة ممثلين عن كافة الأديان لبحث حلول وسط لكافة القضايا المتعلقة بالقدس والصحن المقدس. وكبادرة حسن نية تمنح إسرائيل السلطة الفلسطينية الإدارة المدنية والأمنية على حي جبل المكبر».

الثانية: توافق قادة الأذرع الأمنية الإسرائيلية كافة، (بصورة غير مألوفة حسب صحيفة معاريف الاسرائيلية)، «وقدموا توصية جارفة ضد تنفيذ خطوات عقابية جماعية في القدس الشرقية والضفة الغربية».

«كذلك تتفق القيادة الأمنية الإسرائيلية، على معارضة إدخال قوات من الجيش الاسرائيلي إلى الأحياء الفلسطينية في القدس، إلى جانب الاتفاق فيما بينها بأن العنصر الديني للصراع يتصاعد، من خلال النقاش حول الحرم القدسي».

واشارت الصحيفة إلى أن «قادة الاستخبارات الإسرائيلية يرون بعباس أنه يلجم الأوضاع وغير محرض بكل ما يتعلق بالعنف. وأجهزته الأمنية لا تزال تساهم بشكل فعال في تهدئة الأجواء في الضفة».

الثالثة: تقدم بها المستشار في معهد واشنطن والمؤيد لـ «إسرائيل» مشيرا إلى أنه لا أحد يعلم ما إذا كانت الأعمال المتزايدة التي تقع في القدس هي نذير انتفاضة ثالثة. فلم يتوقع أحد اندلاع كلا الانتفاضتين الأولى والثانية ».

واذ قال «أن هذه ليست لحظة لصنع السلام ولطرح تنازلات تاريخية عندما يجب أن تكون الثقة هي اللغة السائدة، وإنما هي الوقت المناسب لمنع حدوث انفجار عاطفي من شأنه أن يعرّض كلا الطرفين للخطر».

ولذلك اقترح ان يعود وزير الخارجية الأميركي جون كيري ثانية لعقد اجتماع مع الرئيس محمود عباس، ومن ثم مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو والعاهل الاردني الملك عبدالله «حول تعميم مدونة لقواعد السلوك للمساعدة في تجنب حدوث أعمال استفزازية». مشددا أنه «لا يمكن أن يتحدث الإسرائيليون عن مجرد الحفاظ على الوضع القائم بل، من خلال إشارتهم إلى الاحتياجات الأمنية، قد يتمكنوا من منع جماعات (يهودية) من الذهاب الى جبل الهيكل. ويمكن أن تتجنب إسرائيل أيضاً إعلاناتها عن النشاطات الاستيطانية الجديدة - التي تجعل الفلسطينيين يشعرون بالعجز وتساعد على تغذية محاولة فرض شئ ما على إسرائيل. ومن جهتهم، يتعيّن على الفلسطينيين أن يتجنّبوا ليس فقط التصريحات الاستفزازية بل عليهم أن يدعوا أيضاً الى الهدوء ويعلنوا أن العنف والإرهاب يقوّضان مكانتهم على الصعيد الدولي. يجب عليهم أن يجمّدوا خططهم - دون أن يذكروا تعليقهم لهذه الخطط - الخاصة بتبنّي قرار من قبل الأمم المتحدة يفرض انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية في غضون ثلاث سنوات».

وأوضح «إذا ما نجحت مدونة قواعد السلوك الأولية قيد البحث، فبإمكان إسرائيل أن تُعَزِّزها في وقت لاحق من خلال إعلانها أنها ستجعل سياستها الاستيطانية تتوافق مع نهج الدولتين التي تتمسك به».

من خلال التدقيق في هذه المبادرات والاقتراحات يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

أولا: سيادة شعور بالقلق والخوف لدى قادة الاجهزة الأمنية الصهيونية من أن سياسة العقاب الجماعي وتشديد الاجراءات العسكرية والامنية في الأحياء العربية من القدس تهدد بتحويل الصراع إلى صراع ديني، وهو أمر ستكون له تداعيات سلبية ليست في مصلحة اسرائيل لان ذلك سيعني ادخال المسلمين في كل العالم في أتون هذا الصراع وتأجيجه لما للحرم القدسي من مكانة دينية مقدسة لديهم.

ثانياً: تنطلق الاقتراحات والمبادرات من أساس وهو الحرص على المصلحة الاسرائيلية وتجنيب اسرائيل تداعيات تدهور الوضع نحو اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وكذلك سبل ايجاد المخارج لتنفيس الحملة الدولية التي تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية لكسب تأييد دول العالم إلى جانب مطالبتها بتحديد جدول زمني لانسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة عام 67 والالتفاف على المطلب الفلسطيني.

ثالثاً: تركيز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اهمية وفعالية التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ضبط الوضع في الضفة الغربية والمحافظة على الهدوء، وبالتالي لا يؤيدون هجوم نتانياهو على رئيس السلطة محمود عباس الذي لا يحرض على «العنف».

وهذا الموقف كانت قد ايدته الصحافة الاسرائيلية التي اشارت إلى أن عدم وجود السلطة الفلسطينية وأجهزتها في القدس جعل الأمور تخرج عن السيطرة. ولهذا فان اقتراح تسليم السلطة الفلسطينية الادارة المدنية والأمنية في جبل المكبر في القدس يهدف إلى ايكال مهمة اخماد الهبة الشعبية الفلسطينية للسلطة.

رابعاً: الدعوة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وترك موضوع تحديد حدود الدولة إلى المفاوضات والاتفاق على الترتيبات الأمنية كجزء من اتفاق شامل مع الدول العربية، وهو ما يعني محاولة تخدير جديدة كي تكسب اسرائيل المزيد من الوقت وتواصل سياسة الاستيطان في المناطق التي يقال انها ستبقى ضمن الدولة الصهيونية. دون أي معارضة دولية.

خامساً: العمل على تكريس ما يسمى حق اسرائيل في مواصلة الاستيطان في المناطق التي تسمى يهودية في القدس والتسويق لحل دولي وسط بشأن المسجد الأقصى يكرس حق اليهود في الصلاة فيه وبالتالي تقسيمه كمقدمة لتهويده بالكامل في مرحلة لاحقة، على قاعدة الخطة الصهيونية المطبقة والتي تقوم على القضم التدريجي للأرض والمقدسات.

سادساً: إن تطبيق مدونة قواعد السلوك التي دعا إليها دنيس روس تصب في خدمة التوجهات الاسرائيلية لأن هذه القواعد إنما تستهدف اخماد مقاومة الشعب الفلسطيني في القدس واستمرار اسرائيل في سياستها الاستيطانية لكن دون استفزاز، أي من دون أن تعلن عن خطط استيطانية جديدة، واذا تم تجميد بعض المشاريع فهو لفترة زمنية محدودة.