على الرغم من الحراك المتدرج منذ اسابيع لتحريك الملف الرئاسي، فان المعلومات المتداولة في الكواليس تؤكد بان الملف لم يغادر مربعه الاول بعد، في ظل تصاعد حدة الصراع الاقليمي وارتداداته على الوضع الداخلي. فضلا عن استمرار عملية خلط الاوراق التي بدأت تثمر اتصالات انتهت الى ترتيب زيارة الرئيس الاسبق امين الجميل الى الجنوب، بمسعى من رئيس مجلس النواب نبيه بري وموافقة حزب الله والى توجيه رسائل رئاسية متبادلة تؤسس الى مزيد من الشرذمة في صفوف الاذاريين، كرسها رئيس القوات اللبنانية بزيارة الى المملكة العربية السعودية للبحث في الملف الرئاسي كما هو معلن، وبعدد من المحطات المفصلية المتصلة بالوضع العام والشارع المسيحي ومزاجه وفق ما اشار مواكبون للزيارة.

في هذا السياق يكشف سياسي مخضرم عن مضمون بعض الاتصالات المتعلقة بهذا الملف، وهي جرت على اعلى المستويات فخلص الى الاعتقاد بان التقدم السياسي في لبنان ممنوع، وهو مرتبط بازمة المنطقة وبالتالي فان من غير المقبول ان تتقدم الحلول فيما تتراوح مكانها في سائر الدول العربية، كما ان الممنوعات والمحظورات المعممة على سوريا والعراق تسري المفعول على لبنان، لاسيما ان الساحة المحلية تحولت بفعل الحرب الباردة الى طاولة كباش وساحة لتصفية الحسابات بعد ان اغلقت ساحات ثانية، وخرجت من لائحة الدول التي يضغط من خلالها الكبار لتصفية الحسابات الاقليمية السياسية والاقتصادية على حد سواء.

ما يعزز هذا الاعتقاد هو تعدد المبادرات الخارجية وتضاربها بما يعيق اكثر واكثر من التقارب، او الحديث الجدي عن الحلول في ظل اصرار حزب الله على ترشيح رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون وهو ترشيح لنهج او لخط سياسي اكثر مما هو اصرارعلى شخص محدد، فالحزب المنتشر بفاعلية من لبنان الى البحرين مرورا بسوريا والعراق واليمن، نجح في محاصرة الخليج بفعل الدعم الايراني الروسي المشترك، وبالتالي فهو اصبح ملزما بالمحافظة على المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها هذا المثلث الثابت الاضلاع.

في المقابل ترفض المملكة السعودية ومن خلال مواقف حلفائها في لبنان اي تيار المستقبل والدائرين في فلكه، الاعتراف بالامر الواقع الجديد القائم على معادلة مختلفة كسرت الستاتيكو الاقليمي المتعلق بمسار الاحداث في العالمين العربي والاسلامي، بدءا من سقوط اليمن المتاخمة لها مرورا بفشل الغرب في القضاء على التنظيم التكفيري الاخطر على الوهابية السياسية "داعش"، وليس انتهاء بخفض سعر برميل النفط لاهداف سياسية متصلة بالضغط على دول تعتبر ممولة للارهاب بتلاوينه كافة، مرورا بما يمكن وصفه بالمتغيرات الناجمة عن التقارب الايراني الغربي. وهذه عوامل تؤدي الى خلط الاوراق بصورة جذرية لا يمكن الا التوقف عندها في ظل معطيات دولية ضاغطة تمنع التقدم على اي صعيد، بل تفتح الصراع على الاحتمالات كافة. بيد ان المصدر يقرأ في زيارة جعجع الى السعودية ردا مباشرا على جولة مساعد وزير الخارجية الروسي ​ميخائيل بوغدانوف​ اللبنانية وتطرقه في محادثاته مع البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي ورئيس حزب الكتائب امين الجميل الى الملف الرئاسي، وموقف روسيا الرسمي منه . وفي الوقت نفسه انذارا للجميل لعدم التفرد بعملية التقارب مع حزب الله في حين أن الحوار بين المستقبل والحزب مجرد مشاريع تبدو غير قابلة للحياة، لاسيما ان الخلاف بين الفريقين ليس على موضوع الرئاسة او النيابة، انما على مواضيع استراتيجية متصلة بالمواقف الاقليمية الاكثر تعقيدا، وبالتالي فان من الضرورة بمكان المحافظة على المواقع وعدم الانتقال من ضفة الى أخرى وسط هذه الاجواء المعقدة والشديدة الحساسية، والتي يبدو انها انتقلت الى مراحل جديدة من المراوحة تتماشى مع الاجواء العامة السائدة في المنطقة، بحيث يصبح الكلام عن انتخابات رئاسية جديّة مرهون بتقدم الحلول في المنطقة.