من دون سابق إنذار، عاد من كان يُعرف من قبل بعض الإعلاميين والمسؤولين في الدولة اللبنانية، بأنه "الوسيط" في قضية مخطوفي أعزاز إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة بصفته "وسيطاً" في قضية العسكريين المخطوفين من قبل الجماعات الإرهابية في جرود عرسال، بتكليف من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية".

خلال الفترة السابقة، عديدة هي السيناريوهات التي نقلها "أبو محمد" إلى الإعلاميين اللبنانيين، وفي كل مرة كان يثبت أنها غير صحيحة، كان يتحدث عن أسباب أدّت إلى إفشال المساعي، التي كان يقوم بها هو شخصياً بشكل أساسي، ويشير إلى أن الدافع الرئيسي وراء جهوده "إنساني" بحت.

في قضية أعزاز، نجح "أبو محمد"، الذي يرفض بشكل دائم الكشف عن هويته الحقيقية، في بناء علاقات وطيدة مع بعض المسؤولين الأمنيين والسياسيين، بعضهم منحه ثقة مطلقة في كل ما يدلي به من معلومات، وكان يظهر اسمه، بين الحين والآخر، على صفحات الجرائد أو من خلال شريط عاجل على شاشات التلفاز، يكشف عن معلومات جديدة، منها إحتمال الإفراج عن عدد من المخطوفين في وقت قريب.

وخلال عملية التفاوض الطويلة، التي خاضتها هذه التجربة، كان "أبو محمد" يتحدث في مرحلة من المراحل عن تنسيق يحصل مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، عبر ممثله عضو كتلة "المستقبل" النائب عقاب صقر، لكن "الوسيط" الإفتراضي عاد بعد ذلك ليكشف عن محاولة محاولة إبتزاز تعرض لها، حيث وعد الشيخ بلال دقماق في أحد التصاريح بكشف حقيقة "ابو محمد"، أي عبد الله شومان، وزعم أن شومان تابع للنظام السوري وأن زوجته يهودية ولديه علاقات مشبوهة، الأمر الذي أنكره "أبو محمد" متهماً دقماق بارسال كاميرات مراقبة مع أحد الاشخاص إلى اسطنبول، تم زرعها في غرفته في فندق "الشيراتون"، وبعدها فرغت التسجيلات ووصلت الى دقماق في لبنان وراح الأخير يهدد بنشرها، متحدثاً عن تسجيلات لديه لصقر مع المعارضة السورية تظهر أن المخطوفين ليسوا الا وديعة لدى "أبو ابراهيم" وأن الأخير يتقاضى مبلغ مالي شهرياً لقاء تأمين حاجاتهم.

من دون الدخول في تفاصيل هذه القضية، عاد "أبو محمد" اليوم من جديد، متحدثاً عن مساعٍ يقوم بها في قضية العسكريين المخطوفين، بدوافع إنسانية أيضاً، رافضاً وصفه بـ"الوسيط" ومصنفاً نفسه بـ"ناقل مطالب"، ومعلناً أن لديه تواصل جدي جداً مع الجانبين الموجودين في الجرود.

لدى سؤال أبو محمد عن الجهة التي كلفته متابعة هذا الملف، سارع إلى تسمية كلاً من "أبو الوليد المقدسي" و"أبو عبدو السلام"، التابعين لتنيظم "داعش"، قائلاً: "أنا حيادي وأبقى حياديًّا لكن ربما هناك بعض التقارب أو النوايا الحسنة بيننا"، مع العلم أن لدى إتصاله كان يعلن أنه يتحدث باسم "الهيئة الشرعية العليا"، زاعماً بأنها مكلفة بالتشريع في الداخل السوري، وأراد أن يعطي بياناً حول المبادرات الأخيرة التي تحصل في قضية العسكريين المخطوفين، لكن ما تقدم به، أو حاول القيام بنقله، كان عبارة عن مطالب، تشترط الإفراج عن المعتقلات مقابل الإفراج عن مخطوفين.

لدى معاودة البحث من جديد في هوية أبو بمحمد، كشف أحد المسؤولين اللبنانين أنه سوري متأهل من بلجيكية ومقيم في بلجيكا أيضاً، مؤكداً أن المسؤولين عن ملف مخطوفي أعزاز أكدوا أن لا علاقة له بهم، وهو ممنوع من الدخول إلى المنطقة، قائلاً: "بعد أن أوهمنا بدوره تبين أن لا علاقة له بهذه القضية"، إلا أن لديه شقيق كان يقاتل في صفوف المعارضة السورية في أعزاز.

ويشير هذا المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أبو محمد من دون أدنى شك "يلعبها ذكية"، لكن في حقيقة الأمر ليس لديه ما يقدمه، ناصحاً بعدم الأخذ بكل ما يقدمه من معلومات على محمل الجد وعدم فتح أي منبر إعلامي له.

على صعيد متصل، حاولت "النشرة" البحث أكثر عن هوية أبو محمد، فكشف لها أحد أقارب مخطوفي أعزاز بأنه كان يتواصل مع الأهالي، بين الحين والآخر، من عدة أرقام هاتف دولية، وتحدث في أحد الإتصالات عن أنه تابع لـ"الإئتلاف الوطني السوري" إلا أن أحد أعضاء هذا "الإئتلاف" نفى بشكل مطلق هذا الأمر، وكان هناك شبه إجماعٍ لديهم بأنه "كاذب" لا يملك أي معلومة.

كما أكدت بعض المصادر، لـ"النشرة"، أن المدعو "أبو محمد" يتعاون مع إحدى الشخصيات اللبنانية، من دون الكشف عن هويته في الوقت الحالي، داعية الحكومة إلى التنبه لهذا الموضوع، وناصحة بأن يكون التفاوض عبر شخصيات رسميّة مكلفة مباشرة من قبلها.

في المحصلة، هذا نموذج عن عمليات إبتزاز أو إحتيال قد تحصل في مثل هذه الملفّات المهمة، "أبو محمد" أو "عبدالله شومان"، الشخصية التي يجمع كل من عرفها بأنها "كاذبة" لا تملك أي معلومة، يطل برأسه من جديد، لكن لماذا لا يتم التحقيق في هذه القضية لمعرفة أهدافه الحقيقيّة؟