منذ لحظة وقوع الغارة الإسرائيلية التي استهدفت موكبًا لـ"حزب الله" في منطقة ​القنيطرة​ السورية، لم تهدأ أيّ من "الجبهات"، في الداخل وفي الخارج على حدّ سواء.

سارع "حلفاء" الحزب إلى الوقوف إلى جانبه والإشادة بـ"تضحيات" أبطاله، الذين سقطوا على يد عدوّ لبنان الأوحد، إسرائيل، ما يؤكد أنّ "البوصلة" لم ولن تتغيّر يومًا، كما حاول الكثيرون الإيحاء. أما "الخصوم"، فكان "التأرجح" سيّد مواقفهم. بينهم من استنكر وعزّى، وبينهم من طرح الأسئلة التي لا تنتهي حول ما يفعله الحزب في سوريا، وبينهم من "نأى بنفسه" وكأنّ الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد...

صمتٌ مدروسٌ ومقصودٌ..

وسط هذه المعمعة، وحده "حزب الله" حافظ على "صمته". في اليوم الأول، اكتفى ببيانَين، أكد في أولهما حصول الغارة الإسرائيلية، وأعلن في الثاني عن أسماء شهدائه الذين سقطوا فيها. لم يُعثَر في البيانين على حرفٍ واحدٍ يعبّر عن موقفٍ، أيّ موقفٍ، وغابت عنهما العبارات المعتادة من "حق الرد" و"الزمان والمكان المناسبَين". بعد ذلك، انهمك الحزب بتشييع قادته وكوادره، كلّ في منطقته، وحدّد مواعيد متعدّدة لتقبّل التعازي أو "التبريكات"، كما يفضّل تسميتها. وهنا أيضًا، غابت المواقف الرسمية. شارك قياديون ومسؤولون في "حزب الله" بطبيعة الحال في كلّ هذه المحطّات، لكنّهم حرصوا على "التزام الصمت" أيضًا وأيضًا.

هو صمتٌ مدروسٌ ومقصودٌ، تقول مصادر مطلعة، مشدّدة على أنه لا ينمّ لا عن ارتباك ولا عن تشتّت، بل عن ثقةٍ والتزامٍ بأتمّ معنى الكلمة. برأي هذه المصادر، فإنّ "الوقت الحالي ليس وقتَ كلامٍ، أقلّه بانتظار دفن الشهداء ومواراتهم الثرى"، خصوصًا أنّ "المقاومة لم تعتد أن توظّف دماء مجاهديها لتحقيق مآرب خاصة، سياسية وغير سياسية".

تذكّر المصادر بأنّ شائعاتٍ كثيرة سرت في اليوم الأول للمجزرة الإسرائيلية عن كلمةٍ للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وكذلك في اليوم الثاني خلال تشييع جهاد عماد مغنية، كلمة بقيت في "عالم الغيب" ولم تحصل حتى الآن. وتشير إلى أنّ الإسرائيليين قبل غيرهم كانوا بانتظار هذه الكلمة، وأيديهم على قلوبهم، بدليل استنفارهم غير المسبوق على حدودهم الشمالية مع لبنان طيلة الأيام الماضية، لكنّ المقاومة أبت أن تقدّم لهم هذه الخدمة "مجانًا".

و"فوضى" في الجانب الآخر..

في مقابل "الصمت" الذي آثره "حزب الله"، كان حلفاؤه وخصوصًا خصومه يُكثرون من الكلام. اتفقت غالبيتهم على استنكار الاعتداء الاسرائيلي، فيما "تجاهله" البعض الآخر، ولم يُعثر له على أيّ تعليقٍ عليها، وهو الذي لم يكن يترك حادثًا هامشيًا في السابق من دون تعليق.

اللافت في الموضوع، بحسب المصادر، هو "الضياع" في بعض المواقف، حتى داخل الفريق نفسه. وتلاحظ في هذا الإطار كيف أنّ البعض سارع لمطالبة الحزب بل "تحريضه" على ردّ سريع حفاظًا على "هيبته"، لدرجة أنّ بعض خصوم الحزب التقليديين لم يتوانوا عن دعوته، من باب التشكيك أولاً وأخيرًا، للردّ سريعًا في العمق الإسرائيلي ومن دون أيّ إبطاء. وإذا كان كثيرون علقوا على الأمر بالقول أنّ نفس هؤلاء "المحرّضين" جهّزوا خطابات "إدانة المغامرة" فيما لو ردّ الحزب، ذهب آخرون في المقابل للتعبير عن "هواجس" و"مخاوف" من إمكانية أن يجرّ أيّ ردّ لاندلاع حربٍ، ولم يتردّدوا في "الشماتة" من خلال اقتطاع موقفٍ سابقٍ للسيد حسن نصرالله بُعيد حرب تموز 2006 قال فيه أنه كان ربما ليعدل عن أسر الجنديين الإسرائيليين "لو كان يعلم" أنّ ذلك سيؤدّي لحرب.

سرية ومفاجأة..

رغم ذلك، تشدّد المصادر على أنّ الاستنكار بحدّ ذاته هو موضِع ترحيبٍ وإشادة من قيادة المقاومة في لبنان، أيًا كانت توابعه. هي تلفت في هذا الإطار إلى أنّ بعض الإدانات، وإن ألحِقت ببعض المواقف غير البريئة، لم تكن متوقعة، وبالتالي هي محلّ تقدير واحترامٍ يُبنى عليه. وإذ تربط المصادر موجة التضامن بالأجواء الحوارية السائدة في البلد، لافتة إلى أنّ السقوف كانت لترتفع كثيرًا لو كان الاحتقان لا يزال سائدًا، تؤكد في المقابل أنّ "حزب الله" لا يعير الدعوات التي تصله من هنا وهناك للردّ أو عدم الردّ أيّ اعتبار.

"الردّ آتٍ لا محالة، إذ لا يمكن لعاقلٍ أن يظنّ أنّ الحزب يمكن أن يسكت على جريمةٍ بهذه الفظاعة وهذه الضخامة، لأنّ سكوته سيكون بمثابة استسلام للعدو وسماحٍ له بفرض قواعد اللعبة كما يرغب، وبالتالي ضربة لكلّ الانتصارات التي تحققت سابقاً"، تقول المصادر، قبل أن تشدّد على أنّ شكلّ الردّ لا يخضع لمزاجٍ من هنا أو هناك، مع الاحترام لكلّ المواقف التي تطلَق. وتردف: "قيادة حزب الله لطالما اعتمدت مبدأ السرية والمفاجأة، وهي لن تحيد عنه، وبالتالي فإنّ طبيعة الردّ تقرّره قيادة المقاومة، بعيدًا عن الانفعالية والتسرّع اللذين يضرّان أكثر ممّا ينفعان".

بانتظار كلام السيد..

الصمتُ إذًا مستمرّ حتى إشعارٍ آخر، تقول المصادر، ولكنها تشدّد على أنّ "الصيام عن الكلام" لا يجب أن يُترجَم أبدًا على أنه "صيام عن الأفعال"، وبالتالي فعلى الإسرائيلي وغير الإسرائيلي أن يبقى متأهّبًا ومستعدًا، لأنه لا يعلم متى وكيف وأين سيأتيه الردّ.

وحده الأمين العام لـ"حزب الله" مخوّلٌ بكسر الصمت إعلاميًا، ولكنّ توقيت ذلك يبقى خاضعًا للجدل. يتحدّث البعض عن كلمة مرتقبة له خلال اليومين المقبلين بعد انتهاء مراسم التشييع والتبريكات، ويقول البعض الآخر أنّ كلمة له مرتقبة في مهرجانٍ مركزي سينظمه الحزب في ذكرى أسبوع القادة يوم الأحد المقبل، علمًا أنّ فئة ثالثة تتوقع "تأجيل" الموقف حتى ذكرى "القادة الشهداء" التي تصادف الشهر المقبل. "كلّ الاحتمالات واردة"، تقول المصادر ختامًا، مشيرة إلى أنّ أيّ إطلالةٍ للسيد نصرالله سيُعلَن عنها بشكل رسمي سلفًا كما درجت العادة، "والأكيد أنّ السيد نصرالله لن يقول أيّ كلام، بل سيكون في جعبته ما يُقلق العدو وأكثر"..