قد تكون كلمة من السيّد حسن نصرالله هي السلاح النفسي الأقوى في وجه إسرائيل، ولكنّ على أرض الواقع كلامًا آخر وسلاحًا آخر يعكسان حقيقة هواجس المقاومة “النوعيّة” قبل الكميّة.

ليست بقايا صواريخ “الكورنيت” التي ما فتئ الإسرائيليون يلملمونها ليكتشفوا “نسختها المنقّحة” جديدة على دنيا المقاومة، ولكن العين الإسرائيلية قبل عيون مقاومي الميدان وأهل الجنوب لم تعتد على مثل هذا المفعول لصاروخٍ روسيٍّ ظنّوه “باليًا” ورجعيًا، إلا أن صورة احتراق الآليّتين العسكريّتين الشهيرة أثبتت ما لم يتوقعه سوى مستخدمي تلك الصواريخ المتطوّرة والتي بات ثابتًا بالنسبة الى جمهور حزب الله المنتشي بظفر شبعا بأن ذاك “الإيلام” لا يمكن أن ينتجه إلا صاروخ “كورنيت” من الجيل الرابع.

سيناريوهان...

لا يحبّذ حزب الله الكثير من الإفصاحات العسكريّة ركونًا الى قناعته بأهميّة إرخاء الحبل من جهةٍ بالحديث عن أسلحة ردعٍ تطمئن أبناء المناطق الحدوديّة وترهِب الإسرائيليّين، والتكتّم من جهةٍ أخرى على ما يتمّ تطويره تحت الأرض أو ما تختزنه أنفاقه حفاظًا على عنصر المفاجأة الذي يضمن سرعةً في التنفيذ ودقّةً في إصابة الهدف. الى هذين السيناريوهين لجأ حزب الله في العملية الأخيرة وما قبلها بأشهر، فهو لم يتردّد يومًا في تظهير مواظبته على تطوير أسلحته كمًّا ونوعًا لتليق “بمقام” الهدف سواء كان العدوّ الإسرائيلي أم العدوّ التكفيريّ، ولكنه في المقابل لم يطرح صاروخه المتطوّر في “بازار” التحليل كي لا يقتل عنصر المباغتة وكي يترك جنود الحدود في حالة صدمة وبحث عن جوابيْن لسؤالين محيّرين: من أين له هذا؟ وماذا لديه بعد؟

هدفان: ردعي وهجومي

يؤكد الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط لـ”​صدى البلد​” أن “حزب الله لم يخفِ يومًا عمله على تطوير منظومة أسلحته، لا بل كان يعلن تباعًا أن ترسانته في خطٍّ تراكمي كمًّا ونوعًا، ويعمد دائمًا في ما يتعلق بقدراته العسكرية الى خدمة هدفين: الهدف الردعي ويقوده الى إظهار ما لديه، والهدف الميداني الذي يهيّئه لإحداث المفاجآت. الثابت أن حزب الله لا يعلن عن كلّ ما لديه، بيد أنه في المقابل لا يخفي كلّ ما عنده. استراتيجيته تقوم على الاحتفاظ ببعض الأسلحة والتقنيات لتشكّل مفاجأة في الحرب، وإظهار بعض الأسلحة والتقنيات لتشكّل عامل الردع لمنع الحرب، إذ إن الحزب في سياسته لا يسعى الى الحرب، ولكنه يستعدّ دومًا للانتصار في الحرب التي قد تُفرَض عليه”. وما إذا كانت الأسلحة التي يمتلكها حزب الله قادرة على مضاهاة الترسانة الإسرائيلية المتطوّرة يجيب حطيط: “حزب الله درس وضعه جيدًا ويعرف ما في ترسانة إسرائيل، ودائمًا السلاح يتمّ اختياره وفقًا للاستراتيجية التي يعتمدها وما إذا كانت دفاعية أم هجوميّة. حزب الله في الأساس يعتمد الاستراتيجية الدفاعية المنفتحة أخيراً على استراتيجية هجومية، وبالتالي ضمن أسلوب قتاله وما يملكه العدو أصبح حزب الله مطمئنًا للتفوّق في الميدان".

حمقٌ سياسي

في الأمس القريب، كثرٌ راهنوا على أن الميدان السوري لم يستنفد عديد مجاهدي حزب الله فحسب بل عتادهم وأسلحتهم أيضًا، بعدما حوّل المتطرّفون بوصلته الى الحدود الشماليّة. وفي هذا الإطار يعلّق حطيط: “هذه المراهنة أقلّ ما يُقال فيها أنها خاطئة لا بل فيها نوعٌ من العمى السياسي أو الحُمق التقديري. دائمًا ما يحصل عليه حزب الله من سلاح من حيث الكميّة والنوعية أكثر وأفضل مما يُنفقه".

"الكورنيت"... ابنُ المنطقة

اليوم بات الجيل الرابع من “الكورنيت” على كلّ لسان، خصوصًا أن استخدامه أتى بقرار متقن محكومٍ بطبيعة تحرّك الهدف وحجم الأضرار التي أرادها حزب الله في صفوف العدوّ انتقامًا لاستشهاد ستةٍ من عناصره. ويشي التاريخ القريب بأن “الكورنيت” ابن المنطقة بامتياز رغم أنه تصنيعٌ روسي، إذ إن للجيوش العربية خبرةً واسعة معه بحيث يبدو صديقها الحاضر ضدّ الدروع. وإذا كانت كتائب القسّام تلجأ في غير مناسبةٍ الى هذه الصواريخ لاستهداف ناقلات الجنود الإسرائيليّة في فلسطين المحتلة، فإن بعضًا من بقايا حرب تموز وتحديدًا دبابات الميركافا المعطوبة المتشظيّة تؤشّر الى استخدام حزب الله لهذه الصواريخ بأجيالها الثلاثة السابقة، مع إعفاء الجيل الرابع من الظهور حتى تاريخ الأربعاء الفائت.

حينها تُفتَح المخازن...

أحدٌ إذًا لا يعلم ما تخفيه المقاومة من مفاجآتٍ عسكريّة وأجيالٍ صاروخيّة قد يكتشفها الداخل اللبناني بالتوازي مع الصدمة الإسرائيليّة. ولكن الى أن تجرؤ إسرائيل على “حركشةٍ” قد تستدعي ردّ فعلٍ عكسريًا من حزب الله، تكون المخازن الباطنيّة قد احتضنت ما بعد بعد بعد “الكورنيت".