يُراهن الكثير من مُؤيّدي رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون على ما يعتبرُونه تغييرات إقليميّة كبيرة ستحصَل بمجرّد توقيع الإتفاق بين إيران من جهة والدول الغربيّة من جهة أخرى، بشأن ملفّ طهران النووي، الأمر الذي سيُمهّد الطريق، بحسب هذه النظريّة، لوصول "الجنرال" إلى سدّة الرئاسة. في المُقابل، يُقلل مُعارضو إنتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية اللبنانيّة من أهمّية هذه الرهانات، ويعتبرون أنّ أيّ إتفاق إيراني-غربي، لن يعود بأيّ تأثير إيجابي على فرصه الرئاسيّة. فمن هو على حَقّ؟

بداية، لا بُدّ من التذكير بأنّ المهلة النهائيّة للمفاوضات بين إيران والدول الخمس زائد واحد كانت أُرجِئت أكثر من مرّة في السابق، وهي بلغت حالياً مرحلة حسّاسة جداً، حيث على المُفاوضين التوصّل إلى إتفاق مبدئي قبل نهاية شهر آذار المقبل، على أن يكون تاريخ 30 حزيران 2015 هو السقف غير القابل للتأجيل لتوقيع الإتفاق النهائي. وحتى اليوم، كُلّ المعلومات المُسرّبة من أجواء الوفود المُفاوضة تتحدّث عن تحقيق تقدّم مهمّ، وأنّ المفاوضات بلغت مرحلة التفاصيل النهائية. لكن وعلى الرغم من هذا التفاؤل العام، والذي بلغ حد تحدّث بعض المراقبين عن أنّ الإتفاق قد أُنجز بسبب ترابط مصالح كل من طهران وواشنطن في المرحلة الحاليّة، وبأنّ ما ينقص راهناً هو إيجاد أفضل طريقة لإعلان تفاصيل هذا الإتفاق من دون التسبّب بموجات إعتراض كبيرة، من إسرائيل، مروراً بدول الخليج العربي، وصولاً إلى داخل الكونغرس الأميركي، توجد نظريّات أخرى في مقابل هذا التفاؤل المُفرط. وهذه النظريّات الأقلّ إنتشاراً، تتحدّث عن أنّ ضُعف موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما الداخلي والخارجي، سيحُول دون أن يتمكّن من تجاوز إعتراضات أغلبيّة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأميركيّين، وإعتراضات تل أبيب، الحليفة المركزيّة لواشنطن في الشرق الأوسط، وكذلك إعتراضات العديد من العواصم الخليجيّة المُرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية عبر مصالح إستراتيجيّة تاريخيّة.

وفي كل الأحوال، وإذا سلّمنا جدلاً أنّ الإتفاق النووي الإيراني-الغربي قد أُنجز بصيغته النهائيّة ضمن المهلة المحدّدة سابقاً، أيّ خلال الأشهر الأربعة المقبلة، فإنّ أيّ إرتدادات وإنعكاسات لهذا الإتفاق المنشود على الملفّات الإقليمية العالقة لن يكون فورياً، حيث سيأتي بشكل تدريجي تبعاً لتطوّر المُفاوضات التي يُنتظر أن تلي الإتفاق بشأن مسألة التخصيب النووي. وفي ما خصّ مسألة الإنتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة فهي تأتي بمرتبة متأخّرة، بعكس ما يظنّ الكثيرون، حيث أنّ الكثير من الملفّات الإقليمية العالقة تتقدّمها بأشواط، إن من حيث الأهمّية أو من حيث ترتيب المُعالجة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قضيّة مُحاربة تنظيم "داعش" وإنهاء الإرتدادات الإرهابيّة الناجمة منه، وسُبل تهدئة الوضع في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وكيفيّة إعادة توزيع الخريطة الأمنيّة والسياسية والإقتصادية في الشرق الأوسط. أكثر من ذلك، وفي حال واكبنا موجة التفاؤل المُفرط، بأنّ الإتفاق النووي قد أُنجز، وبأنّ ملف الإنتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة قد حاز على الأولويّة، فإنّ النظرة إلى نتائج هذا الأمر متباينة والرهانات متناقضة ومتضاربة. وفي هذا السياق، إنّ مؤيّدي العماد عون يتوقّعون أن تضغط طهران عند إنجاز الإتفاق مع الغرب، لأن يكون "حليف حليفها" أي "الجنرال" رئيساً للجمهوريّة اللبنانية، حيث أنّها ستطالب بهذا الأمر من ضمن المكاسب المتعدّدة التي سيعود عليها الإتفاق المُنتظر. في المُقابل، يتوقّع مُعارضو العماد عون العكس تماماً، حيث أنّهم يراهنون على أنّ تقوم واشنطن بمبادلة الإتفاق المنتظر مع طهران، والذي سيصُبّ في النهاية لصالح إستمرارها بتخصيب اليورانيوم، ولو بوتيرة محدّدة ومراقبة وتحت عنوان الإستخدام السلمي، بسلسلة من المطالب الأميركيّة في المنطقة من باب التعويض-إذا جاز التعبير، ومن بينها رئيس لبناني على علاقة جيّدة جداً بها. كما أنّ هؤلاء يتوقّعون أن تقوم المملكة العربيّة السعودية التي تُصنّف من بين أبرز المُتضرّرين من أيّ إتفاق إيراني – غربي، برفع مستوى حقّ النقض الذي تمارسه في الملف اللبناني، لتكون أيّ شخصيّة متحالفة مباشرة أو غير مباشرة مع طهران، مُستهدفة بقرار صارم بمنع وصولها إلى سدّة الرئاسة.

وفي النهاية، إنّ آذار على مَرمى حجر، وحزيران على باب قوسين، وللحديث-كما للرهانات المتعدّدة والمتضاربة المذكورة أعلاه، تتمّة!