بداية، ادعو القراء الاعزاء الى عدم اصدار حكمهم على المقال الذي بين ايديهم الا بعد قراءته، لانه هنا لا يصح القول ان "المكتوب يُقرأ من عنوانه". لست ضد ​المحكمة الدولية​، ولست ضد كشف النقاب عن قتلة رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، ولست ضد وضع حد للاغتيالات وعمليات التفجير الجبانة التي تودي بأرواح سياسيين ومواطنين ابرياء.

في 1 آذار 2009، افتتحت المحكمة الخاصة بلبنان، اي منذ اكثر من ست سنوات. اللافت انه بعد ست سنوات بالتمام والكمال، استهلّت القاضية التشيكية إيفانا هردليشكوفا عملها كرئيسة للمحكمة، في خطوة اتت بعد سلسلة خطوات سبقتها شملت تعيينات بالـ"جملة" لقضاة وكتاب ورؤساء اقلام... كبدلاء عمن سبقهم واستقال.

ان كثرة الاستقالات والتعيينات ليست بدليل صحي، لان من يستلم منصبه حديثاً عليه ان يستلحق عمل ست سنوات من التحقيقات والادلة واقوال الشهود والمعلومات... في غضون ساعات او ايام قليلة جداً.

ولكن، لنعد الى المحكمة وعملها. لن ادّعي انني ملمّ بالشؤون القضائية والتدابير الخاصة بالمحاكم او بالمحكمة الخاصة بلبنان تحديداً، فلم اقف يوماً، والحمد لله، داخل محكمة بأي صفة كانت (شاهد او محام او متهم او متابع)، ولكن يحق لي كوني لبناني ان اسأل عن حصيلة عمل ست سنوات.

لم اطمئن، كغيري من اللبنانيين، حتى الآن الى ما شاهدته من نقل مباشر لاقوال شهود وتصريحاتهم، كما لم أسمع اي اتهام رسمي صريح من قبل المحكمة لاي شخص معنوي. ما سمعته في المقابل، كان مجرد سرد احداث، بعضها يصلح ليكون نبذة شخصية عن الشهود، وروايات تعود الى حقبات غابرة من الزمن قبل عقود واجيال ربما على عملية الاغتيال، واخبار قد تكون صحيحة او غير صحيحة عن احداث حصلت قبل 14 شباط 2005.

وحده رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة كسر الروتين (ولو انه وقع ايضاً في فخ السرد المطوّل لعلاقته برئيس الحكومة الراحل)، وذلك حين ذكر ان رئيس الحكومة المغتال كان ابلغه أنه تم اكتشاف محاولات عدة لاغتياله من قبل "حزب الله".

حتى هذه المعلومة لم ترق الى مستوى التحرك الملموس، فهل سيصدر عن المحكمة اي تحرّك رسمي، وتأخذ بها لتوجيه اتهام واضح لـ"حزب الله" بمحاولة اغتيال الحريري الاب؟ وهل ستعمل على استدعاء مسؤولين من الحزب (ولو انهم لن يحضروا بطبيعة الحال للاسباب التي باتت معروفة) للاستماع اليهم، وهل ستهدد بمحاكمات غيابية في حال لم يحضروا؟

اليوم، بعد ست سنوات على افتتاح المحكمة، لا تزال الامور في المربع الاول، وهناك شعور لدى الجميع حتى لو لم يعترفوا بذلك علناً، ان احداث المحكمة الدولية باتت اقرب الى مسلسل مكسيكي طويل يمكن متابعته عبر التلفزيون.

لا يحتاج الامر الى منجمين وعرّافين لمعرفة ان مخطط اغتيال الحريري الاب وتنفيذه هو اكبر من لبنان وحتى سوريا، وان اي مشروع بهذه الضخامة وسط تدخلات استخباراتية عالمية لا يمكن معرفة هوية منفذه ولا حتى الجهة التي امرت بالتنفيذ.

ان القراءة الموضوعية لعمل المحكمة حتى اليوم، يفضي الى انه لم يتم توجيه اي اتهام رسمي لاي جهة او شخص، كما ان القاتل اطيل عمره ست سنوات (ما لم يتم التخلص منه بعد)، وان الآتي من الايام لا يبشر بقرب التوصل الى خيط ملموس لاتهام واضح غير سياسي لبلد او جهة او شخص، فيما تمضي السنوات حاملة معها المزيد من الغموض والالتباس.

ويبقى الامل في الا يتحول القاتل ومن وراءه الى "ضمير مستتر" مع الاقرار مسبقاً بأن من قام بهذه العملية لا ضمير له اصلاً.