اعلن الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​ في القمة العربيّة التي عقدت اخيراً في ​شرم الشيخ​، قراراً عربياً اتخذ على مستوى القمة، وهو "اعتماد مبدأ تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات".

في الشكل يبدو القرار صائباً وفي محله وسط العواصف التي تضرب العالم العربي بشكل خاص، ولكن في المضمون، يمكن التوقف والنحيب ونعي هذه القوة حتى قبل ان تبدأ المشاورات لتشكيلها (وهي ستأخذ بكل تأكيد عدة اشهر حيث يمكن ان يتغيّر العديد من المعطيات في العالم العربي ان من حيث الاوضاع الميدانية او من حيث تغيّر القادة في السلطة).

لن نتوقف كثيراً عند اسباب انشاء هذه القوة والتي لم تكن مقنعة بالتمام، خصوصاً وان العالم العربي شهد منذ عقود حروباً وتهديدات لم ينجح خلالها القادة العرب في الالتقاء لمنعها، فكان اللجوء دائماً الى الغرب. حتى عندما كان الغزو العراقي للكويت، استنجد العرب بالولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية لجمع قوات عربية تحت رايتهم لتحرير الكويت فقط لا غير، والامثلة لا تعد ولا تحصى.

كما ان التحرك الميداني العربي لم يحصل بشكل عربي صرف الا عند تعرض البحرين للخطر (اعيد احياء درع الجزيرة)، واليوم بعد تعرض اليمن للخطر، مع قاسم مشترك واحد وهو تحرك الشيعة في كلا البلدين، علماً ان الحرب السورية اتمت عامها الرابع دون تحرك عسكري مشترك، والعراق مهدد من قبل "داعش" واخواته من المنظمات الارهابية، دون ان يتحرك العرب ايضاً من الناحية العسكرية...

واذا تخطينا اسباب انشاء هذه القوة، يكمن سؤال اساسي حول اعضاء هذه القوة التي قيل ان عديدها قد يصل الى 40 الف عسكري مدعمين بالعديد من الطائرات والقطع البحرية.

نظرة بسيطة الى اعضاء الجامعة العربية تكفي ليستشفّ المرء الدول التي ستكون فاعلة في هذه القوة (عند انشائها ولو طال الوقت). لا شك ان السعودية ستشكل عماد هذه القوة، وستدعمها قطر بطبيعة الحال والامارات والكويت وعمان وهي الدول التي لا تزال تحافظ على استقرارها في الخليج. ومع سقوط اليمن بطبيعة الحال، واستبعاد البحرين التي لا تزال تحتاج الى تواجد افراد درع الجزيرة على اراضيها، تكون مساهمة دول الخليج من قبل خمس دول.

اما في ما خص دول ما يسمى بالهلال الخصيب، فهنا تكمن الكارثة، اذ لا يمكن الاعتماد على اي دولة من اجل مشاركة فاعلة، وسيتم الاكتفاء طبعاً بالمشاركة الرمزية. فالاردن مشغول بمتابعة الاحداث على اراضيه ويحاول ابقاء الامور تحت السيطرة لان اي خلل امني ولو بسيط، سيكون كفيلاً بالانتشار على مختلف الاراضي الاردنية...

ومن الطبيعي الا يتم الاعتماد على العراق الذي يحارب على اكثر من جبهة على اراضيه، وسط استياء خليجي من الدعم الايراني له لاستعادة بعض المناطق التي فقدها الجيش العراقي خلال المواجهات مع المجموعات الارهابية.

سوريا من جهتها، ستقف متفرجة لان العرب اسقطوا الشرعية عن الرئيس السوري بشار الاسد، ولا توجد لدى المعارضة "شرعية" واحدة يمكن الركون اليها كما ان الحرب في سوريا تحتاج بذاتها الى تدخل عسكري لحسمها لصالح احد المتصارعين. الوضع نفسه ينطبق على فلسطين التي ستكتفي بالدعم الكلامي لكل ما سيتم اتخاذه اياً يكن القرار. وسيحتار لبنان في كيفية المشاركة، فالجيش اللبناني لا يملك السلاح ولا العديد الكافي لمد الدعم للقوة العربية المشتركة، وهو بالكاد يعمل على حماية المناطق اللبنانية من الهجمات الارهابية، ولا يزال ينتظر الهبات للحصول على الاسلحة التي يحتاج اليها. ومن المنطقي الا يقبل العرب بمساعدة من "حزب الله" فهو ليس جيشاً نظامياً، كما ان بعض العرب يعتبره منظمة ارهابية.

وبالانتقال الى افريقيا، فحدث ولا حرج. هل يصدق احد ان هذه القوة ستعتمد على مشاركة اساسية من ليبيا ام تونس ام المغرب ام الجزائر ام السودان وجزر القمر والصومال؟ وحدها مصر يمكن ان تخرق هذا الواقع المرير اذ عليها ان تشارك بقوة فاعلة لسببين: الاول معنوي وسياسي للحفاظ على صورتها ودورها في المنطقة، والثاني لايصال رسالة مفادها انها لا تزال قادرة على المحاربة على اكثر من جبهة.

وبالتالي، سينحصر الحضور الفعلي لهذه القوة بست دول فقط لا غير، واذا ما صحت الارقام التي توقعت عديد القوة بـ40 الف جندي، فالمعدل الوسطي لمشاركة كل بلد منها سيكون حوالى 6700 جندي، وهو رقم سيتغير حتماً وفقاً لكل دولة، فالكويت مثلاً لا يمكنها ان تشارك مثلاً بالعديد نفسه للسعودية وهو امر مفهوم نسبة الى الحجم الجغرافي والكثافة السكانية.

من هنا، اذا ما قدّر لهذه القوة ان تبصر النور قبل نهاية السنة الحالية، ستجد نفسها دون عمل فعلي سوى في الخليج. فأين لها ان تتدخل؟ في لبنان اذا ما تعرض للعداون الاسرائيلي او حتى اذا شهد اعتداءات ارهابية تهدد وضعه؟ ام في سوريا والعراق وليبيا وافريقيا التي لا يمكن تحريك اي جندي فيها سوى بموافقة غربية لتشابك المصالح؟ والاحداث الاخيرة خير شاهد على ذلك.

يبقى ان الدول، وخصوصاً المشاركة بفاعلية، لن تبخل بأي قرش من اجل تمويل هذه القوة، وستتجه الانظار حتماً الى الدول الغربية من اجل تأمين الاسلحة والعتاد، فيفتح مزراب جديد من الاموال يستفيد منه الغرب الذي سيتقاسم مجدداً اموال العرب بفكرة جديدة... والف صحتين.