عندما سقطت مدينة إدلب بيد المعارضة السورية في نهاية آذار الماضي، وعَد النظام السوري باستردادها في غضون عشرة أيّام، وبدأ تحضيرات جدّية لتنفيذ هجوم مُعاكس واسع النطاق. لكن الهجمات التي نفّذها الجيش السوري في الأسابيع القليلة الماضية فشلت في أن تكون بحجم الخسارة الإستراتيجيّة، حيث بالكاد حقّقت وحداته بعض التقدّم الجزئي لبضعة أيّام(1). ومع إقتراب نهاية نيسان الحالي شنّت فصائل من المعارضة السورية هجوماً كبيراً على مدينة "​جسر الشغور​" الإستراتيجيّة، والتي تقع على بُعد 40 كيلومتراً إلى الغرب من إدلب، وحيث يتمتّع الجيش السوري بحضور ميداني قوي جداً. ونجحت في إسقاطها بعد أربعة أيّام من المعارك الضارية، مع بروز إستخدام المعارضة صواريخ Tow الأميركيّة الصنع، والتي دمّرت عبرها العديد من دبّابات ومدرّعات النظام. ومنعاً لسقوط كامل مُحافظة "إدلب"، سارع الجيش السوري إلى تكليف العقيد سهيل الحسن الملقّب بالنمر مهمّة إسترداد المدينة على وجه السُرعة. فماذا يعني فشل "النمر" في وقف هجوم المعارضة المتواصل والذي كان يتركّز حتى لحظة كتابة هذا المقال على "معمل القرميد"؟

وبحسب المعلومات الواردة من مدينة "جسر الشغور"، فهي لا تزال تحت سيطرة المعارضة السوريّة، بعكس ما تردّد إعلامياً عن إستعادتها من قبل الجيش السوري الذي حقّق بعض التقدّم في قرى وبلدات محيطة. وقد أعاد مُسلّحو المعارضة إنتشارهم داخل المدينة في محاولة لتجنّب الغارات العنيفة جدّاً التي تعرّضوا لها، والتي بلغت نحو 50 غارة جويّة على المدينة يوم الأحد وحده. وفي حال فشل الهجوم الحالي للجيش السوري في إسترداد المدينة، والذي سيُضاف عندها بشكل تلقائي إلى الفشل في إسترداد مدينة إدلب، فهذا سيعني تلقائياً إنطلاق العد العكسي لسقوط كامل ​محافظة إدلب​، لتصبح ثاني مُحافظة سورية تسقط بالكامل بيد المعارضة بعد مُحافظة الرقّة.

والأخطر من ذلك، أنّ سقوط محافظة إدلب يعني عمليّاً الإقتراب أكثر فأكثر من منطقة ثقل النظام وخطّه الخلفي في جبال اللاذقيّة. فمدينة القرداحة التي تُعتبر رمزاً معنوياً لقيادة النظام السوري، ولعائلة آل الأسد بالتحديد، لا تبعد سوى 46 كيلومتراً عن مدينة جسر الشغور، وهذه الأخيرة تبعد عن مركز مدينة اللاذقية نحو 57 كيلومتراً فقط. وهذا يعني أنّ المعارك المُقبلة ستكون على تخوم المحافظة المذكورة، مع إمكان قصف عمق قرى وبلداتها بالمدفعيّة. ويخشى النظام السوري أيضاً أن تضعف معنويات الجيش في مدينة حلب، في حال تمكّن مُسلّحو المُعارضة من قطع خطوط الإمداد بين مدينتي حلب واللاذقيّة، الأمر الذي قد يُعرّض مواقع الجيش السوري في حلب لخطر شديد، بعد أن كان هو صاحب المُبادرة هناك. كما أنّ قرى الريف الحموي التي تُعتبر منطقة إلتقاء بين ثلاث محافظات هي: إدلب شمالاً واللاذقيّة غرباً وحماه جنوباً، ستُصبح تحت مرمى النيران المباشرة لمُسلّحي المعارضة السوريّة.

وعلى الرغم من أنّ الجيش السوري يُحاول جاهداً إسترداد مدينة "جسر الشغور" قبل أن تقوم المعارضة بتثبيت دفاعاتها فيها، فإنّ مُسلّحي المعارضة يواصلون محاولاتهم إسقاط كامل بلدات وقرى محافظة إدلب، خاصة في "معسكر المسطومة" و"معمل القرميد" القريبين من مدينة إدلب، لقطع خطوط الإمداد عن مختلف المواقع العسكريّة المتبقّية للنظام في المحافظة، وأبرزها بلدتي كفريا والفوعة حيث توجد مراكز تدريب لمتطوّعين سوريّين، وبلدة أريحا أيضاً.

وفي إنتظار جلاء معارك الساعات القليلة الأخيرة، الأكيد أنّ الوضع الميداني في سوريا في إدلب يتجاوز مسألة الكرّ والفرّ المُعتاد في الحروب، لأنّ وقع نجاح المعارضة في إسقاط محافظة إدلب بكاملها على معنويّات النظام السوري سيكون سلبياً جداً، وقد يتحوّل إلى كرة ثلج. وإنطلاقاً من هنا، يضع النظام السوري آمالاً كبرى على قوّات "النمر" لوقف تقدّم المعارضة نحو اللاذقيّة، ولإسترداد ما خسره في محافظة إدلب على وجه السرعة. فلمن ستكون الكلمة الأخيرة لهذه المعركة الجديدة في سوريا؟ الساعات القليلة المقبلة ستحمل الإجابة...

(1)نفّذ الجيش السوري هجوماً على تلّة "المسطومة" المُطلّة على المدينة والتي تبعد عنها 4 كلم. وحاول التضييق على المُسلّحين من جهة "معمل القرميد" الذي يبعد 9 كلم. عن المدينة، وكذلك من جهة جبهة "جبل الأربعين"، وكان هدف الجيش عزل مدينة إدلب عن محيطها، وقطع الإمدادات العسكريّة عنها، بدءاً بفصل جنوب المدينة عنها.