يُخبرنا الويكيبيديا كما تاريخ بلاد الشام، عن عادة شعبية تقليدية إسمها الحكواتي، وهو شخص امتهن سرد القصص، في منازل ومحال ومقاهي وطرقات دمشق وحلب وحمص وصيدا وطرابلس.

وما كان يميز حكواتي الزمن الجميل، تلك النفحة من القيم والفضائل التي كانت تتسم بها شخصيات الحكاية، بالإضافة طبعاً إلى تماسك الرواية، على عكس »الحكواتي المعاصر« الذي ينسج لنا قصص خياليّة غير مترابطة لا في السرد ولا في الجوهر.

والمفارقة في الأمر، ان بعض جمهور »الحكواتي القديم« كان يرفض الذهاب إلى بيته قبل أن يستمع إلى بقية القصة ويطمئن إلى أن بطله اجتاز محنته، حتى وصل الأمر مرة إلى درجة ان أحد المستمعين لم يستطع أن يصبر إلى اليوم التالي، فلحق بالحكواتي إلى بيته ليعرف بقية القصة، على عكس جمهور »الحكواتي المعاصر« الذي يعرف سلفاً نهاية الحكاية، لكنه اعتاد على »مفاجأة جديدة« يُسدِل من خلالها الستارة عند نهاية الـ»عرض مسرحي«.

أطلّ علينا بالأمس، حكواتي برج الغزال، يسرد على الرأي العام »قصص« اعتاد على تكرارها، كالرواية المتعلقة بمحاولة الشهيد رفيق الحريري رشوته، أو طلبه منه يوم كان قائداً للجيش، »ضرب المقاومة بقاذفات اللهب«، (طبعاً سوبرمان رفض)، مروراً بلازمته الممجوجة عن »جعجع وإسرائيل« وترداده »عدم الاكتراث لمواقف الحريري الابن«، وتأييده بالكامل لخطابات نصرالله..

في روايته ما قبل الأخيرة، أخبرنا الرئيس لحود عن إعصاء قائد الجيش ميشال سليمان أوامره ورفضه ضرب المتظاهرين بأعقاب البنادق أو بالـ»كغوس« عشية التحضير لـ14 اذار ، كما أخبرنا كولومبوس 2015 عن »اكتشافه العظيم« حول تقاضي الضابط ميشال سليمان راتبه العسكري من سمير جعجع في حين الجميع يعرف ان سليمان التزم أوامر قيادته الشرعية ولم يهرب أو يجتاز المعبر متخفياً كما فعل لحود، بل سكن مع عائلته في »تلة الريس« ثم في »اوتيل كونفورت«، قبل أن يخصصه لحود نفسه بالمنزل العسكري الذي كان يقطنه شخصياً في »مساكن الضباط« عندما انتقل »العماد« ليسكن في الشاليه المخصصة لقادة الجيش في المسبح العسكري - المنارة والتي »استحلاها« 18 سنة خلافاً للقانون بعد »تنصيبه« رئيساً للجمهورية من قبل سلطة الاحتلال.

هذه الـ»رواية« مرّت مرور الكرام، أولاً لأن الرأي العام اللبناني يفتخر بما قام به الجيش اللبناني بقيادة ميشال سليمان الذي ساهم في انجاح 14 اذار 2005، في حين لم تكن رواية »يوسف قليقل« عن تقاضي سليمان راتبه العسكري من »القوات« أكثر من »فيل طائر« أو »تضييع شنكاش« تآمره مع الاحتلال السوري لاجتياح قصر بعبدا وإزاحة ميشال عون.

جديد »عبد اللطيف« كان بالأمس، انه يعرف من هو الرئيس العتيد من دون ان يكشف عن كامل الصورة، والقنابل التي فجّرها في نهاية العرض، ان »ميشال سليمان مش داستوغي« و»الكل يلوم اميل لحود في المحكمة ولا يأتي على ذكر ميشال سليمان«، لا بل »يعطونه مصاغي كي ينشىء حزباً«.

بالفعل، اميل لحود سيناريست مضحِك، »ان يعرف من يكون رئيس الجمهورية المُقبل دون الكشف عن هويته« فهذا ما يدخل في لعبة Audience المحطات والتنافس الشديد بين »فغالي وحايك وعبد اللطيف ولحود«، وان يلوم من يلومه على ذكره حصراً في شهادات المحكمة الدولية من دون التطرق إلى قائد الجيش، أيضاً هذا شأنه حتى لو دلّ الأمر على حنقه من قائد عسكري كسر شوكة الارهاب في الضنية ونهر البارد وأدخل جيشه إلى الجنوب ورفع العلم اللبناني على تلال القرى الحدودية بعض طول غياب وعزز مفهوم الديمقراطية وحافظ على أمن أطهر تظاهرة مليونية في تاريخ لبنان، ومن رئيس جمهورية احترم الدستور ورفض التمديد تماماً كما رفض الخروج كـ»الواوي المخمور« تحت جنح الظلام.

وليس تحميل العماد ميشال سليمان وزر عدم تعديل الدستور قبيل انتخابه، إلّا قلة دراية سياسية تثير القلق، أو »سباحة متواصلة منذ السابع من ايار مروراً بالدوحة حتى انتخاب سليمان«، حالت دون مواكبته التطورات. فعندما يجتمع المجلس النيابي بأكمله وينال سليمان 118 صوتاً بمشاركة عربية ودولية منقطعة النظير، يُعتبر الانتخاب أكثر من »داستوغي« مع احترامنا لرأي الدستوريين بضرورة تعديل المادة 49، لكن عدد النواب الذين انتخبوه كان أكبر بكثير من العدد المطلوب لتعديل المادة الدستورية في جلسة »فائضة الميثاقية«.. وإن كان هناك من مسؤولية، فبالطبع لا يتحملها »الرئيس المنتخَب« الآتي من خارج النادي السياسي.

أما عن »الفيل الطائر« المتعلق بإعطاء الرئيس سليمان »مصاغي« لإنشاء حزب، ففيه الكثير من السطحية السياسية التي يؤكدها اميل لحود إطلالة بعد إطلالة..

رحم الله زمن حكواتي الأيام الجميلة، كون روايته كانت تحمل في طياتها بعض الشيء من المصداقية.. وخلّد الباري أقوال العميد ريمون اده، فواثق التوصيف يمشي ملكاً، ونفسه في هذه العجالة طلبت الرحمة.. أما »الغوغل«، فيسأل مع كافة محركات البحث: »شو يعني داستوغي«؟.. اعذروني، ففي عناء القراءة عن اميل لحود »قصاص ما بعده قصاص«.. وفي الكتابة أيضاً.

لعلّ »أقدس وأرفع وأرقى وأنقى وأنبل وأشرف وسام« يُعلّق على صدر الرئيس ميشال سليمان، لأنه لم يقبل لنفسه أن يكون »اميل لحود آخر«.. هنا صلب الموضوع.