على وقع المعارك الدامية في جرود الطفيل وبريتال، تحدّث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله مؤخّرًا، عن ​معركة القلمون​ المُرتقبة، وعن أبرز ملفّات المنطقة. وفي إستعراض أوّلي لما جاء في خطابه، يُمكن تسجيل الملاحظات التالية:

أوّلاً: من حيث الشكل، نبرة الخطاب كانت هادئة وخالية من الإنفعالات ومن التهديدات العالية السقف، كما كان يحصل في خطابات سابقة يتناول فيها معارك مُرتقبة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الخطاب الذي سبق إنطلاق معركة القصير والذي قال فيه آنذاك: "هذه المعركة نحن أهلها وصُنّاع إنتصاراتها، وكما كنت أعدكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مُجدداً". أمّا في الخطاب الأخير، فتحدّث عن معركة القلمون المُرتقبة وعن ملفّات المنطقة من دون رفع سقف الوعيد والتهديد، مُكتفياً في نهاية الخطاب بنسب البُعد الديني للإنتصارات التي تحقّقت والتي ستتحقّق. ومن حيث الشكل، حرص الأمين العام لـ"حزب الله" على قراءة فقرات مكتوبة أكثر مما كان يفعله في خطاباته السابقة التي كان يطغى على أغلبيتها الطابع الإرتجالي ولو إنطلاقاً من رؤوس أقلام مكتوبة، وذلك حرصاً على إستخدام تعابير مُحدّدة ومنتقاة بدقّة.

ثانياً: من حيث المضمون العام، تناول السيد نصر الله أربعة ملفّات، هي كلّ من الملفّ اليمني والعراقي والسوري واللبناني، وتحدّث عن كل منها وكأنه معني مباشرة فيها، في إصرار على تظهير الدور الإقليمي الذي صار يتمتّع به "حزب الله" في المنطقة، بغضّ النظر عن حجم التأييد لهذا الدور وعن حجم الإعتراض عليه، والذي سارع رئيس "كتلة المُستقبل" النائب سعد الحريري إلى تسجيل إعتراضه عليه بعد قليل من إنتهاء الخطاب. وكان لافتاً أيضاً حرصه على الحديث عن معركة القلمون ضمن الملفّ اللبناني وليس الملفّ السوري، ردّاً على الإنتقادات التي يتعرّض لها بالنسبة إلى خوض معارك في الداخل السوري لا علاقة للبنان بها، علماً أنّه أصرّ على القول إنّ المعركة في سوريا "هي دفاع عن سوريا ولبنان وفلسطين والمنطقة كلّها".

ثالثاً: في الملفّ اليمني لا جديد في كلام السيد نصر الله الذي جدّد مُهاجمة السعودية، متحدّثاً عمّا إعتبره "فشلاً وهزيمة واضحة" في تكرار لمواقفه السابقة منذ لحظة إنطلاق المواجهات في اليمن، مطالباً بتقديم أيّ دليل على أيّ هدف تحقّق، مُتجاهلاً في الوقت نفسه الخسائر بالعديد والعتاد والتي أضعفت القدرات القتالية لجماعة "أنصار الله" وللقوات العسكرية الموالية للرئيس اليمني المتنحّي تحت الضغط الشعبي علي عبد الله صالح. وكان لافتاً تحدّثه بإسم اليمنيّين وعن إرادة يمنيّة بالمواجهة، وتخصيصه وقتاً طويلاً من خطابه للملفّ اليمني، فاقت الوقت الذي منحه للملفّ السوري مثلاً.

رابعاً: في الملفّ العراقي أكّد وجوب "التصدّي للمشروع التقسيمي الأميركي ووأده في مهده"، علماً أنّ إستعراض السيد نصر الله للوقائع الميدانية لتدعيم فكرته وتفسيره لما تقوم به الولايات المتحدة الأميركيّة في الشرق الأوسط، أظهر أنّ الأميركيّين ماضون قُدماً وبنجاح ملحوظ في تثبيت مشروع تقسيم المنطقة إلى "كانتونات" مذهبية وعرقيّة، وأن لا مُواجهة فعليّة لهذه الخطط التقسيميّة. وبالتالي، بدت دعوته الجديدة للتصدّي لهذا المشروع، وكأنها تكرار لكثير من الدعوات السابقة ضمن السياق نفسه، ولا تتطابق مع التحوّلات على الأرض التي تُظهر بشكل غير قابل للشك ترسيخ أكثر من مشروع دُويلة في المنطقة العربيّة، خاصة في العراق.

خامسًا: في الملفّ السوري، حرص السيد نصر الله على التأكيد أنّ الخسائر الأخيرة للنظام في إدلب وجسر الشغور لا تُمثّل تغييرا إستراتيجياً لمسار الحرب، كونها مُجرّد جولة من جولات كثيرة، لكنّه لم يتحدّث عن أيّ نيّة في إستعادة هذه المناطق أو يُطلق الوعود بشنّ هجمات مُضادة. وكان لافتاً كشفه عن إشتراك مقاتلي "حزب الله" في أماكن لم يتواجدوا فيها من قبل، في دلالة على إزدياد الإنخراط العسكري للحزب في الحرب السورية، بعكس ما تردّد في الآونة الأخيرة عن تخفيف لهذه المشاركة. كما كان لافتاً أيضاً توجيهه الكلام التطميني للشعب السوري، وليس لبيئته الحاضنة، وتأكيده إستمرار دعم النظام السوري "للدفاع عن كل المنطقة"، وكأنّه هذه المرة يريد طمأنة السوريّين الداعمين للنظام بالدرجة الأولى، وليس أيّ جهة أخرى. وفي الوقت الذي حرص أيضاً على وصف كل التقارير التي تتحدّث عن تراجع حضور ونفوذ النظام السوري، وعن تراجع الدعم الإيراني والروسي، بالإشاعات التي تندرج في إطار الحرب النفسيّة، لم يتطرّق أمين عام "حزب الله" إلى تفاصيل "الإنجازات والإنتصارات اليوميّة" التي نسبها للجيش السوري.

سادسًا: في الملفّ اللبناني، فضّل السيد نصر الله إرجاء الحديث عن الكثير من الملفّات الداخليّة إلى وقت لاحق للتفرّغ في خطابه لمسألة معركة القلمون التي أكّد المُضيّ بها من دون إنتظار أيّ إجماع لبناني عليها. وإذا كان من الطبيعي أن لا يُعطي أيّ توضيح عن زمان ومكان المعركة المنتظرة، في تطبيق لأبسط القواعد العسكرية المعروفة والتي تُعطي الأولويّة لسريّة العمل العسكري وليس للبَهْوَرَةِ الإعلامية، كان لافتاً عدم إطلاقه الوعود المُسبقة بتحقيق الإنتصار، ورفضه حتى الحديث عن أهداف المعركة وسقفها الزمني والجغرافي، وكأنه بذلك يترك الأمور مفتوحة أمام كل الإحتمالات، تبعاً للتطوّرات الميدانية التي ستظهر بمجرّد "أن تفرض عملية القلمون نفسها عندما تبدأ"، كما حرص على القول.