ليس من الحكمة والمنطق القول ان مسار حرب تحدده خسارة موقع من هنا او كسب موقع من هناك، لذلك وبعيداً عن الكلام حول حسم الحرب مع "داعش" واخواتها في الارهاب، لا يمكن الدخول في تنبؤات حول انتصار الارهابيين او هزيمتهم في اكثر من بلد تبعاً لنتائج المعارك التي سجّلت اخيراً في سوريا والعراق.

التشاؤم او التفاؤل عنصران ابعد ما يكونان عن المنطق في ما خص الحروب، وتأثيرهما نفسي فقط ولا يسمح ببناء نظرة واقعية شاملة لما يدور، على عكس المعطيات الميدانية التي يمكن ان تؤشر الى حالة معينة.

ما يمكن تأكيده ان الجيوش العربية ورغم امكاناتها الضخمة وميزانياتها الهائلة، مصابة بمرض سرطاني خبيث يتفشى فيها وينخر عظامها واسمه "داعش" واخواتها في الارهاب (ما عدا الجيش اللبناني الذي واجه في اكثر من مناسبة الارهابيين ونجح في الدفاع عن مراكزه ومناطقه لا بل تقدم في احيان كثيرة الى مراكز اخرى). هذا ما يمكن استنتاجه من خلال المواجهات التي تخوضها الجيوش العربية في مواجهة الارهابيين في الدول العربية. ففي العراق، ظهر ان ​الجيش العراقي​ اعجز من ان يحافظ على مراكز او مناطق يتواجد فيها، فكم بالحري القيام بهجوم لاستعادة مناطق اخرى لا يسيطر عليها؟ والانسحابات المخزية للجيش العراقي دفعت بما يعرف بالحشد الشعبي(1)وبايران الى التدخل لمساندته واثبتت الوقائع الميدانية انه اينما كانت المساندة حاضرة، كانت النتائج مرضية في وجه الارهابيين. وهو ما يفسر ما قاله الحشد الشعبي لجهة التحضير لاستعادة الانبار وحماية كربلاء وبغداد.

ولعل تجربة الاكراد في كوباني خير شاهد على مدى التصميم والقوة التي يمكن للشعوب ان تقدمها في وجه الارهابيين، على عكس اختبارات الجيوش العربية. واذا ما اعتبر البعض ان الغارات الجوية لقوات التحالف الدولي كانت سبباً في انتصار الاكراد، فما العذر الذي يعطيه هؤلاء ازاء سقوط مناطق عراقية في ظل الغارات ايضاً التي ينفذها التحالف؟

وفي سوريا، صحيح ان ​الجيش السوري​ لم يترك مراكزه الا بعد معارك عنيفة، ولكنه ايضاً خسر العديد من المواقع والمناطق التي كان يسيطر عليها خلال المواجهات. ولكنه كان دائماً يستعيد زمام المبادرة في المناطق التي يتواجد فيها مقاتلو "حزب الله"، حتى انه كان يتقدم نحو مناطق ومراكز جديدة في بعض الاحيان.

ولا يمكن الحديث عن باقي الجيوش العربية لانها لم تدخل في معارك مباشرة مع الارهابيين، واكتفت بالتفوق الجوي ضدهم من خلال التحالف الدولي على الارهاب، فيما غابت اي مواجهات مباشرة، علماً ان النتائج قد لا تكون مغايرة في حال حصول مواجهات بين هذه الجيوش والارهابيين، عن تلك التي سجلت في العراق وسوريا.

وبدل الوقوف والبكاء على الاطلال في ظل المعارك التي يكسبها الارهابيون، خصوصاً في الفترة الاخيرة، قد يكون الحل في اعتماد التعبئة الشعبية الكفيلة بدحر الارهابيين لاسباب بسيطة يمكن تعدادها باختصار ومنها:

- عدم الخوف من تعاطف اي من المواطنين المهددة منازلهم وعائلاتهم من قبل "داعش" واخواتها، مع هؤلاء الارهابيين، ما يعني ان المعادلة ستكون بسيطة: اما قاتل ام مقتول وهذا بحد ذاته دافع اساسي للانتصار على المهاجمين.

- معرفة المواطنين التفصيلية لكل شارع وزقاق من مدينتهم او قريتهم في المنطقة، وهو ما يعطي افضلية واضحة لهم في مواجهة الارهابيين الذين سيعتمدون فقط على الخرائط او على دليل قد ينسى حتماً بعض الاماكن الكفيلة بقلب الصورة في كثير من الاحيان.

- تعويض النقص في نوعية الاسلحة والقدرة النارية، بتدعيم التحصينات واختيار الاماكن المناسبة للاختباء، وتحويل اي اختراق قد يحصل الى حرب شوارع غالباً ما تكون الغلبة فيها للمدافعين.

- تواجد قوات من الطائفة الشيعية سيعطي المواجهات بعداً دينياً، ما يعني الاستشراس بالقتال وفق العقيدة الدينية وهو من اقوى انواع القتال.

ولعل الخطر الابرز يكمن في قدرة الارهابيين على تطويق المدن او القرى التي تقاومهم، فيكون هذا السبيل الوحيد لهم ربما لتفادي الهزيمة والاحراج، علماً ان عنصر اطالة امد الحصار هو لعبة لا يملكون فيها افضلية عامل الوقت.

سرطان الارهاب يضرب الجيوش العربية، ولكن حله بسيط ويكمن في اعلان التعبئة العامة التي تبقى السبيل الانجع لتفادي الهزائم.

(1)الحشد الشعبي هو عبارة عن قوات شبه عسكرية اعترفت بها السلطات العراقية، تكونت من شيعة العراق، ولاحقاً انضمت إليه عشائر من سنة العراق من محافظة صلاح الدين ومن محافظة نينوى ومن محافظة الأنبار.

ظهر الحشد بعد فتوى للمرجع الديني علي السيستاني (بالجهاد الكفائي) لتحرير العراق من "داعش".