الواقع لا يرحم، صحيح انه يكون منصفاً أو غير منصف في بعض الأحيان، لكنه دائماً لا يترك أيَّ شيء إلا ويسجله تسجيلاً دقيقاً، ولهذا فإنَّ الناس، ولا سيما منهم مَن يتعاطون الشأن العام، يحسبون ألف حساب، وكلُّ عمل يقومون به يسألون أنفسهم أولاً:

ماذا سيسجل الواقع؟

وفي أي مصفاةٍ سيضعنا؟

***

رئيس الحكومة تمام سلام يتعاطى السياسة إنطلاقاً من واقع الأمور، فهو أصلاً إبن بيت سياسي في كل زاوية فيه حكايةٌ من التاريخ، من الجدِّ إلى الأب، هذا البيت السياسي العريق يهاب الخطأ ويأبى الفشل، ويحاول قدْر المستطاع أن ينجح في النهج الذي يتبعه.

***

إذا أسهبنا في الواقع، فماذا يمكن القول عن الرئيس تمام سلام؟

إنه أول رئيس حكومة في لبنان يرأس السلطة التنفيذية في غياب رئيس الجمهورية، على مدى عامٍ حتى اليوم.

إنه أول رئيس حكومة يستهل كل جلسة لمجلس الوزراء بكلامٍ عن وجوب إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

إنه أول رئيس للحكومة رفض اتخاذ أيِّ قرار في مجلس الوزراء يُشتَم منه أنَّه إنتقاصٌ لشخص رئيس الجمهورية أو لموقعه.

***

صحيح إن الواقع المرّ لن يتوقف عند المماحكات في مجلس الوزراء، لأن الرئيس تمام سلام هو رئيس الحكومة وليس رئيس كل مجلس الوزراء مجتمعاً، الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية.

ومَن لا يتذكَّر النظرية التي كانت قائمة على مدى عام تقريباً التي كانت تقول ان كلَّ وزير في الحكومة هو رئيس جمهورية، وكادت هذه النظرية أن تُعطِّل الحكومة، إلى ان أتخذ الرئيس سلام قراراً بعدم الدعوة إلى أيِّ جلسة لمجلس الوزراء إذا لم تتغيَّر هذه الآلية.

تراجع الوزراء، ومَن يقف وراءهم، عن هذه الآلية، وكان للرئيس سلام ما يريد، لكن هذا لم يمنع أن تبقى الحكومة غير منتجة، وإن حاولت أن تبدو عكس ذلك.

***

وهكذا، في ذكرى مرور عام على الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وضع الرئيس سلام يده على جرح الأزمة، التي تضرب رأس النظام، فأعلن بالفم الملآن أنَّ التعطيل المتكرَّر لنصاب جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية أدى إلى إدخال البلاد في مسار سياسي وإقتصادي خطير، لا يبدو أنَّ الجميع مدركون لفداحته، أو أنَّ الكل يشعر بالدرجة نفسها من المسؤولية الوطنية تجاهه. لا بل يمكن القول إن هناك، وللأسف، من لا يستعجل الخروج من هذا المأزق، أياً كانت الأضرار الناجمة عنه، وأياً كانت المخاطر المحيطة بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها منطقتنا.

أليست جرأة، أن يُعلن الرئيس سلام أن هناك مَن لا يستعجل الخروج من المأزق؟

إنه اتهامٌ بالغ الخطورة صادرٌ عن أعلى مسؤولٍ في السلطة التنفيذية في لبنان، وهذا الكلام ستكون له إرتداداته على مجمل الوضع العام.

لم يكتفِ الرئيس سلام بهذا التحذير، بل أرفقه بجملةٍ من التنبيهات التي من شأنها أن تؤدي إلى وضع الأمور في نصابها في حال جرى التزام الدستور. ويقول الرئيس سلام في هذا المجال:

لا أحد يحل محل رئيس البلاد المنتخب من قبل مجلس النواب.. وإذا كان الدستور قد أناط بمجلس الوزراء وكالة، صلاحيات رئيس الجمهورية، فإنَّ ذلك هو تدبيرٌ إستثنائيّ لحالة مؤقتة، هدفه تفادي حدوث فراغ في السلطة.

***

لا يمكن إلا الثناء على هذا الكلام لا انتقاده، فهو نابع من صميم المسؤولية التي يتحملها الرئيس سلام، الذي يعرف أنَّ أيَّ إخلالٍ بها سيكون من شأنه أن يطيح ما تبقى من مؤسسات، ولهذا فإنَّ رئيس الحكومة يشدد على أن هذا الوضع الإستثنائي الذي لا يجوز التأقلم معه، يجب ألا يؤدي إلى تعطيل مصالح اللبنانيين الحياتية، وألا يمنع القيام بالواجب في تسيير عجلة الدولة.

***

نجحت الحكومة في الأمن، بالحد الأدنى، لكنها فشلت في قطاعات أخرى. وإذا كان النجاح يُنسَب لرئيس الحكومة وللوزراء المختصين فإنَّ الفشل يتحمَّله الوزراء المعنيون من دون غيرهم، وخير مثال على ذلك الفشل الذريع في إدارة قطاع الطاقة على سبيل المثال لا الحصر.

***

يُدرِك الرئيس سلام أنَّ الملف الرئاسيّ ليس داخلياً، بل له إمتداداته الخارجية أيضاً، ولهذا يدق ناقوس الخطر من خلال قوله:

لم يعد جائزاً أن تبقى الحياة السياسية في لبنان معلَّقة.. ولم يعد جائزاً أن يبقى اللبنانيون سجناء في غرفة انتظار نتائج الحروب الإقليمية.

***

الرئيس سلام في مواجهة الواقع، أي مع نصف حكومته!!