عامان على ثورة 30 يونيو المصرية التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي، تبدلت خلالها الأولويات وتراجعت معها حركة الشارع للمطالبة بتنفيذ تطلعات عامة المصريين بتحقيق التغيير الاقتصادي والاجتماعي والتحرر من قيود التبعية بما يعيد لمصر استقلالية قرارها الوطني.

ويبدو من الواضح أن تصاعد الهجمات الإرهابية، التي تهز الأمن والاستقرار بات الهاجس الذي يقلق المصريين وحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تحكمه أولوية مواجهة الخطر الإرهابي، الذي تمكن في يوم ذكرى الثورة من اغتيال النائب العام المصري، مما نغص على المصريين وحال دون الاحتفال بهذه المناسبة والتذكير بأهداف الثورة والمطالب التي لم تتحقق، وفي مقدمها بناء نظام العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستقلة.

فالمتابع لمجريات الأوضاع في أرض الكنانة يلحظ أن شيئاً لم يتحقق من مطالب جماهير الثورة، بل أن الانجاز الوحيد المتمثل بإسقاط حكم الرئيس حسني مبارك وإدخال الأخير السجن بانتظار إنزال العقاب به وبكل بطانته ورجالات حكمه من السياسيين الفاسدين ورجال عهود الانفتاح، الذين اثروا ثراء فاحشا وتسببوا بإفقار غالبية المصريين وحرمانهم من ابسط الحقوق الإنسانية في حياة كريمة وحرة، إن هذا الانجاز قد ذهب إدراج الرياح بعد أن اصدر القضاء حكمه ببراءة مبارك والعديد من رجالات نظامه وأطلق سراح ولديه. حتى بات النظام الحالي يتهم بأنه يفتقد إلى الإرادة السياسية لعزل رموز الحزب الوطني (حزب مبارك)، رغم وجود أحكام قضائية صادرة من قبل تدعو لذلك، بل أن نظام السيسي اختار وزراء ومسؤولين ينتمون لنظام مبارك، وثار ضدهم الشعب، للعمل معه، وصاروا مقربين منه، ومنهم: الدكتورة فايزة أبو النجا، مستشارة الأمن القومي، وإبراهيم محلب رئيس الحكومة وهو من قيادات الحزب الوطني

وبالمقابل جرى اعتقال الكثير من الشباب الذين شاركوا في الثورة لأنهم رفضوا التسليم بالأمر الواقع الجديد وعدم تلبية مطالب الثورة بذريعة أولوية مواجهة الإرهاب.

وقد ترتب على ذلك استمرار السياسات التي ثار ضدها الشعب العربي المصري، وفوق ذلك تولد خطر جديد يهدد وحدته وأمنه واستقراره وهو خطر الجماعات الإرهابية التكفيرية.

فمن خلال التوقف أمام الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يتبين انه لم يطرأ تحسن والوعود بتحسين الاقتصاد والوضع المعيشي لم تر النور، فلم يتم تغيير أو حتى اصلاح السياسات االتي كانت متبعة في ظل نظامي مبارك ومرسي، وكل الوقائع تشير إلى أنه يجري انتهاج نفس سياسات مبارك في مواجهة الأزمات من خلال الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي لإقراض مصر، والقاضية برفع الدعم عن السلع الأساسية مثل المحروقات، الأمر الذي انعكس بزيادة في الأسعار التي تكوي بنارها جيوب الفقراء وتتسبب بتدهور قدرتهم الشرائية، في حين أن هدف الثورة يكمن في تغيير هذا النظام الضريبي بحيث يتحمل العبء الضريبي الأثرياء وأصحاب الدخول المرتفعة، وهو ما لم يحدث.

وفي هذا السياق قال الدكتور والخبير الاقتصادي سرحان سليمان، «إن الحكومة تصب تركيزها دائمًا على خفض دعم الطاقة ورفع الضرائب لتقليص العجز بالموازنة العامة للدولة، وتغيب عنها باستمرار بنود عديدة تمس حياة المواطنين تحت خط الفقر، فهم يدفعون تكلفة انخفاض دعم الطاقة ورفع أسعار الكهرباء في صورة رفع أسعار السلع الأولية؛ مثل الدقيق والزيت أهم مكونات رغيف الخبز، وهي زيادة غير منطقية وتنعكس على خفض قيمة مرتباتهم نتاج تعويم الجنيه، وتراجع مستوى المعيشة، ورفع الدعم في الشريحة الأولى».

ومثل هذه السياسة تتناقض بشكل صارخ مع العدالة الاجتماعية، وتؤدي إلى تعميق الفجوة بين الغالبية المحرومة من الفقراء، والقلة من الأغنياء المتنعمين بالثروة، كما أنها تقود إلى إيجاد بيئة البؤس التي تنمو فيها قوى التطرف والإرهاب، وهي خطر باتت مواجهته أولوية أساسية، لكن كما هو معروف أن من الشروط الضرورية لمكافحة خطر هذه القوى المتطرفة، المستترة بالدين، العمل على محاربة الفقر وتحقيق التنمية بما يؤمن فرص العمل للشباب العاطلين من العمل، حيث تصل نسبة البطالة في مصر إلى أكثر من 13 بالمئة، وهي نسبة مرتفعة بالقياس لعدد السكان.

من هنا يمكن القول انه بعد مرور عامين على ثورة 30 يونيو فان الشعب العربي المصري، الذي لا زال يفتقد العيش بكرامة، بات يفتقد الأمن والاستقرار بفعل استفحال وازدياد خطر قوى الإرهاب في الداخل وفي جوار مصر وتحديدا في ليبيا حيث انتعشت هذه القوى وباتت تصدر الإرهابيين إلى دول الجوار.

هذا الواقع يدفع إلى الاستنتاج بأن ما حصل في مصر لم يكن ثورة بالمفهوم المتعارف عليه والذي يعني قلب نظام الحكم القائم وإقامة نظام جديد ينفذ أهداف الثورة، وإنما كان هناك انتفاضة شعبية عفوية عارمة ضد السياسات الجائرة من دون قيادة لهذه الثورة تملك رؤية وبرنامجاً ثورياً، ولهذا فان القوى الأكثر تنظيما تمكنت من ركوب الموجة وتسلم دفة الحكم باسم الثورة، في المرة الأولى وصل الإخوان المسلمون لكنهم سرعان ما خسروا السلطة بسبب تفردهم بالحكم واستمرارهم بمواصلة سياسات مبارك المرتبطة بالاستراتيجية الأميركية، وفي المرة الثانية نجحت المؤسسة العسكرية في استغلال نقمة الشعب على الإخوان في إيصال مرشحها إلى الرئاسة والحكم باسم ثورة 30 يونيو.

وما ساعد على استقرار حكم السيسي حتى الآن، على الرغم من عدم تنفيذه مطالب الثورة، هو تقدم أولوية مواجهة الخطر الإرهابي الذي يهدد المصريين بأمنهم واستقرارهم. غير أن محاولات السيسي انتهاج سياسات خارجية فيها بعض الاستقلالية عن الغرب، مثل إعادة العلاقات مع روسيا وعقد صفقات السلاح والاتفاق معها على بناء مفاعل نووي في مصر، جعل الغرب، وفي المقدمة أميركا، حذر في علاقته مع السيسي، وهو ما يعني أن مصر لا زالت تمر بمرحلة انتقالية لم تستقر بعد على وجهة واضحة، وفي هذا السياق فان قوى الإرهاب تسهم بدورها في إطالة عمر هذه المرحلة الانتقالية التي تتسم بعدم استقرار مصر، الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان ذلك يندرج في سياق خطة لمنع مصر من انتهاج سياسات مســتقلة متحررة من التبعية لأميركا والدول الغربية، الذين سعوا ويسعون إلى استخدام سلاحي المعونات والإرهاب لإعادة انتاج نظام التبعية القديم بوجوه جديدة.