بين ليلةٍ وأخرى، تحول رئيس الحكومة ​تمام سلام​ من "أيوب" إلى "عنترة بن شداد"، ونزل الى ساحة المواجهة مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون وتياره. فجأة، تحول سلام من شخص يسعى الى التوافق وان يكون صلة وصل بين الافرقاء، ويتعاطى بحكمة الملك "سليمان" مع المواضيع والمحافظة على "شعرة معاوية"، الى شخص لم يعد يأبه بالمحاذير ويفضل المواجهة دون مواربة او شك.

مواقف سلام وما سرب من اوساطه ومصادره من تعابير على غرار "ضوّا الاحمر عندي" و"طفح الكيل من التعطيل"... تلقفها البعض باستغراب نظراً الى انها مغايرة تماماً لما كان يصرح به رئيس الحكومة مراراً وتكراراً من اهمية التوافق والابقاء على تواصل مع الجميع، والاخذ بالاعتبار رغبات الجميع خصوصا ًفي هذا الظرف الذي يمر فيه لبنان.

ولكن، "اذا عرف السبب بطل العجب"، وعند عرض اعتبارات اساسية ادت الى هذا التحول في الموقف، يمكن استشراف الدافع وراء اتخاذ سلام لهذه المواقف، ومن ابرز هذه الاعتبارات:

- اعتبار سلام انه حصل على غطاء سياسي من رئيس المجلس النيابي نبيه بري للدخول في هذه المواجهة، ان من خلال الكلام الذي سمعه من الثاني مباشرة خلال اللقاءات التي حصلت بين الرجلين، او من خلال المواقف التي كان يطلقها رئيس المجلس النيابي بشكل شبه يومي والداعمة للحكومة ولانعقادها. هذا الدعم استثمره سلام سياسياً بشكل مزدوج: غطاء شيعي للحكومة حتى لو تضامن وزراء "حزب الله" مع وزراء "التيار الوطني الحر" من جهة، وتأكيد على عدم شعور الحزب انه مستهدَف بكلام سلام او بمواقفه وبالتالي ابقاء العلاقة مع "حزب الله" طبيعية دون اي تصعيد.

- تنفيس الاحتقان الذي تعرض له سلام واتهامه بالتفريط بصلاحيات السنّة، حيث بدا وكأن عون هو المتحكم بقرار ومصير الحكومة من خلال انعقادها او عدم انعقادها (عدم اجتماع مجلس الوزراء لثلاثة اسابيع)، وهو امر استنفر الشارع السني الذي بدأ يعتبر ان سلام غير مؤهل للامساك بالمركز الاول للسنة في لبنان، وهو ما قد يؤثر ايضاً على مستقبله السياسي في الآتي من الايام، فكان لا بد له من اخذ المبادرة والعودة الى صورة رئيس الحكومة الذي يحافظ على الصلاحيات ولو بالقوة...

- استشعار سلام بأنّ الغطاء الاقليمي والدولي حازم وحاسم ببقاء الحكومة اياً تكن الاعتبارات والظروف، وبالتالي لا امكانية لسقوطها مهما كانت الظروف، وهذا بحد ذاته ضمانة كافية لرئيس الحكومة بأن تحركات عون ولو خرجت عن الضوابط المألوفة في السنوات الاخيرة لن تكون سبباً للاطاحة بها. وقد دعم الكلام الصادر عن وزراء "التيار الوطني الحر" هذا التوجه، حين اكدوا عدم خروجهم منها وانهم سيعارضون من داخلها، اي بمعنى آخر لن يفرط عقد الحكومة.

- يرى سلام كما غيره من المسؤولين، من الحلفاء والمعارضين على حد سواء، ان معركة استرداد حقوق المسيحيين خاسرة في هذا الظرف، بدليل ابقاء المراكز الرئيسية العائدة اليهم اما فارغة (رئاسة الجمهورية) واما متنازع عليها بشدة (قائد الجيش والقادة الامنيون) واما عرضة للمفاوضات (التعيينات الادارية). وعليه، فالرهان قائم على ان الاولوية اليوم ليست لاستعادة هذه الحقوق، وبالتالي فإن المعركة قد تصلح لتعويم عون مسيحياً، ولكن بالنسبة الى سلام وعدد كبير من المسؤولين، لن تتخطى هذا الحد، ناهيك عن اعتبارهم ايضاً ان هناك رؤية تفيد بأن الفرصة سانحة لتطويقه وعدم السماح له بالتمدد سياسياً و"سحب" مطالب كبيرة واساسية منه يضعها شروطاً.

بدأ الكباش بين سلام وعون، ولكنه محدد سلفاً بسقف لا يمكن خرقه، مع افضلية لسلام حامل درع بري في هذه المواجهة، ويبقى ان نعرف كيف ستتحول المواقف وما ستحمله الايام المقبلة، مع التأكيد ان الحكومة باقية، باقية، باقية.