يشعر رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ أن الأقدار تضحك في وجهه كثيرا في هذه الفترة، فاذا به يُحسن التعاطي معها حاصدا كل مكاسب انتكاسات خصمه اللدود رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي قرر السير في طريق اللاعودة فاما يخرج من المعركة منتصرا غانما أو يرمي بنفسه الى الهاوية. اللعبة العونية هذه لا يتقنها جعجع ولا يهواها، هو يفضل اللعب بدبلوماسية بعد التأكد من خط الرجعة، ولعل كل المحطات التي شهدها العام الحالي تؤكد نجاح السياسة القواتية الهادئة مقابل السياسة العونية التصعيدية.

يُتابع الحكيم من معراب وبكثير من الاهتمام تداعيات قرار عون العودة الى الشارع رافعا شعار استعادة الحقوق المسيحية وتثبيت مبدأ الشراكة، لكنّه لا يرى نفسه معنيا كثيرا بهذه المطالب، فهو أصلا دعا جمهوره والمسيحيين بشكل عام أكثر من مرة لعدم الخوف من "داعش"، كما أنّه لا يؤيد الجنرال برؤيته السوداوية لوضع المسيحيين في لبنان حتى أنه قد لا يرى خللا بالشراكة اقتناعا منه بقاعدة أن "التوافق هو الحكم وبأن أي قاعدة أخرى لن ترى النور مهما عظمت عمليات التعطيل".

ويستغرب جعجع المسار الذي يسلكه عون والذي قد يؤدي برأيه للانتحار، فهو جاراه بورقة اعلان النوايا لاقتناعه أنّه بذلك يحقق العديد من المكاسب من دون أي خسارة تُذكر، فعون اعترف به ولأول مرة زعيما يقاسمه الشارع المسيحي كما أقر له بقدرته على تأمين انتخابه رئيسا للجمهورية، وهي قدرة لم ولن يستخدمها مهما طال زمان الشغور.

ولا تقتصر مكاسب جعجع على ما ذكرناه بل تطال أيضا سعيه لتوسيع رقعة التفاهمات مع الفرقاء على الساحة اللبنانية بشكل عام، وينقل زواره عنه رغبته بمصالحة رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ استكمالا لمسلسل التنازلات المربحة وخاصة بعد زيارته عون في الرابية، وتتويجا لتحركاته السلمية التي تزيد من رصيده الشعبي والسياسي على حد سواء وتؤسس لـ"جعجع جديد" لا يشبه بشيء زعيم الميليشيا الذي خاض وبشراسة المعارك الدموية في الثمانينيات.

أما عتب جعجع الأكبر فعلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي لا يزال يصر وبعد مرور أكثر من 410 أيام على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان على تحميل كل الفرقاء المسيحيين وبالتساوي مسؤولية الاستمرار بشغور سدة الرئاسة. وتشير مصادر معنية الى أن "لا حماسة" بالعلاقة بين الرجلين خاصة وان جعجع يعتقد أن الراعي كان ليلعب دورا مؤثرا وايجابيا بوضع حد للأزمة الرئاسية فيما لو أقدم على وضع النقاط على الحروف وأحرج عون بتسميته معطلا أول للاستحقاق الرئاسي".

بالمحصلة، قد يكون جعجع الزعيم الوحيد الذي يضحك بسره حاليا مما آلت اليه الأمور، فهو ومن دون أي مجهود يُذكر نجح في الأشهر الماضية في التقرب من عون ويُعد بتأن للتقرب من فرنجية... وها هو يترك الحقوق المسيحية والدفاع عنها في الجبهات الأمامية للجنرال خوفا من زعل حلفائه، أمّا التصدي للارهابيين على الحدود فيتركه لـ"حزب الله" واضعا درعه الواقي الى جنبه تحسبا من سيناريو وصول "داعش" الى الداخل اللبناني... فعندها قد يخاف الحكيم حين لا ينفع الخوف.