خمسُ سنواتٍ مرّت على إقامة اتحاد بلديات الشقيف-النبطية مكبًا في وادي ​الكفور​ لتصريف ​النفايات​ من 28 بلدية تتبع للاتحاد بما فيها مدينة النبطية، والاهالي يتحملون ضجيج وهدير الشاحنات خلال الليل، وهم ينتظرون حلا يُنقذهم من الخطر الذي كبر حجمه وتضخم بتراكم النفايات وتوسع الحفريات الجديدة التي اقيمت في محيطه من دون وجه حق، حتى انه لم يعد محصورا بنفايات بلديات الشقيف انما ببلديات اخرى من منطقتي جزين وشرق صيدا لقاء تقاضي الشركة المتعهدة اموالا في هذا الاطار.

كل الحلول المجتزأة لم تنفع حتى ضاق صدر الاهالي بما تحملوه من نتائج المكب واثاره الكارثية على البيئة والصحة والسلامة العامة ما دفعهم للخروج عن صمتهم وازالة الهواجس وعقد الخوف، فتكاتفوا مسلمين ومسيحيين وقطعوا الطريق امام الشاحنات المتوجهة الى المكب بعدما تجمعوا حول سيارة وضعوها وسط الطريق منفذين اعتصاما مفتوحا منذ ايام قد يطول بهدف اقفال المكب هذه المرة بشكل نهائي، وقد نصبوا خيما باتوا فيها، مانعين الشاحنات المحملة بالنفايات من افراغ حمولتها في المكب.

اعتصام مفتوح..

هكذا إذاً، نفذ اهالي ​بلدة الكفور​-النبطية وعودهم بتحدي ارادة الغير التي استعملت ارضهم من دون ان يكون لهم رأي وبغضّ نظر من وزارة البيئة ونفذوا اعتصاما على الطريق المؤدي الى مكب النفايات في بلدتهم، شارك فيه رئيس بلدية الكفور المستقيلة حسين درويش ومختارها محمد مطر وعدد من الاهالي الذين منعوا عددا من الشاحنات المحملة بالنفايات من افراغ حمولتها في المكب، فعادت من حيث أتت.

واكد الاهالي ان اعتصامهم سيكون مفتوحا لاقفال المكبّ نهائيا بعدما تحول الى مرتع للقوارض الضارة والحشرات وللامراض التي يعاني منها سكان البلدة والتي باتت تفتك بالمواطنين الّذين باتت فاتورتهم الطبيّة توازي ما ينتجونه من أراضيهم الزراعية، اضافة الى تضرر الاراضي المحيطة بالمكب حيث أصبحت قاحلة لا ينبت الزرع فيها، وبدأ تخمّر النفايات يؤثّر سلبًا على المزروعات والأشجار المثمرة كالزيتون والتين فأصيبت باليباس.

وهذا المكب في هذه البقعة بالذات لا يؤثر فقط على بلدة الكفور بل يطال بسمومه القرى المجاورة كدير الزهراني والشرقية وحبوش والنميرية والدوير، في وقت لفتت المعلومات الواردة من القرى المذكورة الى أنّ هجرة قسريّة لعدد من السكان حصلت مع بداية شهر تموز وارتفاع حرارة الطقس بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من المكب واضراره الجمة. ورافق الاعتصام انتشار لدوريات الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي والامن العام في المنطقة المحيطة.

ليأخذوا المبلغ ويقفلوا المكبّ!

وفي حديث لـ"النشرة" على هامش الاعتصام، أوضح درويش أنّه مع أهالي البلدة في الوصول إلى إقفال المكب، واصفاً ذلك بأنّه حق من حقوقهم، مطالبا الجمهورية اللبنانية التي يعود العقار المقام المكب عليه لها وهو يحمل الرقم 1117 ان تبادر من خلال وزارة المالية للكشف عليه لرؤية معاناة أهالي الكفور جراء هذه الجريمة البيئيّة ولاتخاذ قرار باقفاله.

وأشار درويش الى ان البلدية ومنذ اقامة المكب منذ 3 سنوات تقاضت 280 مليون ليرة من اتحاد بلديات الشقيف فقط لا غير، والمبلغ ملك الاهالي في خزينة البلدية لتحسين وضع الطرقات وتابع: "فليأخذوا المبلغ وليقفلوا المكب، وانا مع اهالي بلدتي والشعب هو مصدر السلطات والاهالي هم من جاءوا بي الى البلدية وانا معهم".

من جهته عبّر مختار بلدة الكفور محمد مطر عن وقوفه مع أهالي البلدة التي عانت الأمرّين نتيجة المكب، وقال لـ"النشرة": "اضع نفسي امام اي شاحنة ستمر اليه، نحن نموت من الروائح ونحن احياء"، وأردف: "نريد راحتنا وجمال بلدتنا، نريد ان ينقلوا النفايات من هنا ويقفلوا المكب وعلى كل بلدية في المنطقة أن تقوم بتصريف نفاياتها في نطاقها الجغرافي". وأضاف: "لا نستطيع بعد اليوم تحمل نفايات 35 بلدة من بيروت وجزين والنبطية، لا نريد مافيا، بل نريد مصلحة بلدتنا واعادتها الى رونقها بعدما هشموا جبالها وفتكوا بعذرية اوديتها وحولوها الى اودية للموت".

قرارنا نهائي...

وخلال مواكبتها للاعتصام، تحدّثت "النشرة" إلى عددٍ من أهالي الكفور، الذين أكّدوا أنّ قرارهم بالاعتصام المفتوح حتى إقفال المكبّ نهائي، ومن هؤلاء المواطنة زينب مبروك، التي أكّدت أنّ الأهالي يريدون إنقاذ بلدتهم من براثن نفايات الاخرين التي شوهت طبيعة البلدة وادت الى اصابة الاطفال بامراض، وقالت: "لم نعد نرى الا الذباب الازرق الذي يلسع ويترك اثرا على الوجه وقد أصيبت ابنتي الصغيرة مريم صفا بالتهابات في جيوبها الأنفية ولا من يسأل". كما لفتت إلى أنّ البيوت القريبة من المكب تركها اصحابها بعدما عانوا الامرين في بنائها.

من جهته، أكد ربيع عون، وهو عضو في البلدية المستقيلة أيضًا، أنّ الاعتصام يأتي رفضاً للواقع الموجود، مشدّداً على أنّ "المكب غير شرعي وعشوائي"، وقال: "لقد قبلنا به لفترة مؤقتة فقط حتى يعمل معمل فرز النفايات الذي اصبح جاهزا رغم انتظار مناقصة لشركة ما لم يختاروها حتى الآن لتشغيله"، وأضاف: "لقد كان المكب لاتحاد الشقيف واذا بنا نفاجأ بالنفايات القادمة من بيروت، والمكب لم يعد قادرا وشكّل ضررًا كبيرًا وخطرا على المياه الجوفية لا سيّما مع وجود نفايات المستشفيات التي تطمر عشوائيًّا".

مستفيدٌ وحيدٌ من المشروع!

بدوره، أكد المواطن علي ضعون رفضه للمكب، معلّقاً على ما قيل للأهالي في السابق عن أنّ المكبّ سيُقام ضمن مواصفات بيئية، "واذا بنا نلمس الكذب والنفاق"، وقال: "المستفيد الوحيد من هذا المشروع شخص نعرفه وهو لقاء الامراض التي تصيبنا يعيش برفاهية ويتنعم بالمال، وهو بعدما كان يستقدم نفايات منطقة النبطية واذ به يبرم عقدا لاستقدام النفايات من جزين وصيدا الى هنا"، وأضاف: "نحن اهل الجنوب دفعنا الدم لقاء قتال اسرائيل التي هددت وجودنا وان اي انسان يريد تهديد وجودنا لن نسمح له بتهجيرنا من ارضنا".

وكان النائب ياسين جابر اعتبر ان الحل المنطقي لمشكلة النفايات التي تعاني منها مدينة النبطية والبلدات والقرى المحيطة بها هو الاسراع بتشغيل معمل فرز النفايات المخصص لمنطقة النبطية "والذي بذلنا كنواب للمنطقة جهودا كبيرة لانجازه حيث تم تخصيص عقار له وتولى الاتحاد الاوروبي بناءه، وهو الان جاهز للعمل"، وإذ رأى أنّه "من المؤسف جدا عدم تشغيله حتى اليوم"، طالب اتحاد بلديات الشقيف بتشغيل المعمل لانه الحل الوحيد للانتهاء من ازمة النفايات في منطقة النبطية.