قد تعكس زيارة نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع سمير مقبل للقاء رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون في الرابية، اولى تباشير مفاعيل الحراك الذي يقوم به "حزب الله" عبر معاون امينه العام حسين الخليل على خط الرابية - المصيطبة. وتؤكد المعطيات ان العماد عون اقترح على مقبل بعد سؤاله عن اقتراحاته لحل مسألة الشغور المقبل على رئاسة الاركان في 7 آب المقبل، ان يبادر الى اختيار ثلاثة اسماء من أكفأ الضباط من كل طائفة معنية بالمركز الشاغر من قيادة الجيش 3 موارنة ورئاسة الاركان 3 دروز والمجلس العسكري (مجلس الملة) 3 مسلمين و3 مسيحيين بالمذاهب الستة. ويبدو ان من اليوم وحتى الخميس سيكون لدى مقبل نتيجة لتحركه على القيادات السياسية بدءًا من رئاسة الحكومة وتيار المستقبل الى الاطراف الاخرى وخصوصاً النائب وليد جنبلاط الذي زاره مساء امس لطرح ما اتفق عليه مع عون.

وحتى الخميس الموعد الذي يفترض ان ينهي فيه مقبل مشاوراته حول التعيينات العسكرية، وسيتبين بعدها اذا كان "المستقبل" فعلاً يريد بقاء الحكومة واستقرار البلد.

وبحسب سياسية بارزة وناشطة في الميدان الحكومي، فإن تلويح رئيس الحكومة تمام سلام بالاستقالة ناتج من ضغط هائل يتعرض له من فريقه السياسي الذي يورطه الورطة تلو الاخرى من معركة التمديد في الامن الداخلي ضد عون الى معركة النفايات ضد جنبلاط وعكار واقليم الخروب. فهو اختير ليكون رئيس الحكومة الوفاقي ومشهود له بنظافة كفه ويتحدر من بيت سياسي عريق وله جذوره التاريخية البيروتية. وهو ربما كان الوحيد الذي يقبل به منذ عام ونصف واليوم وربما غداً، "حزب الله" وفريق 8 آذار، لهذه الصفات رغم إعلان ترشيحه من بيت الرئيس سعد الحريري من السعودية. فصار الرجل اليوم وبعد الازمة الاخيرة والتي تتفاقم مع التيار الوطني الحر ورئيسه العماد عون وحيداً يقارع ويصارع على اكثر من جبهة. فرصيده السياسي ينفد ويتآكل مخزون حياديته ووسطيته، وبالامس ظهر ذاك الرجل الغاضب والعصبي والصارخ في وجه الوزير جبران باسيل، ولكن الحقيقة ان من وعد عون ونكث بوعده هو الحريري وليس سلام. فلماذا يصبح سلام طرفاً في وجه عون ويصارع على الطاولة كلاً من الوزيرين جبران باسيل والياس ابو صعب بينما يمكث الحريري في منزله السعودي ينتظر ان "يطبّع" العلاقة مع العهد الملكي الجديد، وان يعود رهان آل سعود على شخصه وعلى دوره وليس على شخصية اخرى، كالوزير نهاد المشنوق الذي يراهن عليه ولي العهد محمد بن نايف، ويرى فيه امتداداً للرئيس الشهيد وصاحب الرؤية والدور والطرح السياسي الذي يمكن ان يخدم توجه المملكة الجديد بعد ان تأتي تسوية ما في المنطقة. وعلى عكس ما توحي به عنتريات العهد الجديد في السعودية، يضع بن نايف نصب عينيه محاربة القاعدة بكل مخلفاتها وهو الذي نجا من محاولة اغتيال نفذتها منذ فترة ليست بعيدة نسبياً. فمحاربة الارهاب واحراق الورقة السلفية القطرية - السعودية في لبنان كان للمشنوق دور في اشعال النيران فيها من طرابلس الى رومية بمراحله الثلاث، وهو انجاز لاقى كل الترحيب من بن نايف الذي يتخلص شيئاً فشيئاً من المرحلة السابقة.

ووفق المصادر يواجه سلام ثلاثة اوجه من القوى المتصارعة داخل تيار "المستقبل" : الاولى ذات التوجه السياسي- الاقتصادي، والتي تعتبر السلطة خزاناً لمحفظتها النقدية ويقودها الرئيس فؤاد السنيورة وهي بالامس ضغطت على ميشال عون باللقاء الاقتصادي وتسعى من تحت الطاولة وفوق الطاولة الى الضغط على سلام للحفاظ على كتلتها النقدية في المشاريع الاستثمارية وقطاعات الخدمات والمصارف، فـ"تنتيعات" ميشال عون بالنسبة اليها واستجابة سلام له يعني خسارتها في السياسة وفي الاقتصاد لذا هي تضغط بقسوة على سلام حتى لا يستجيب.

الوجه الثاني وهو سعد ونادر الحريري ومعهما النائب بهية الحريري الذين بدأوا يتوجسون من ان رصيد آل الحريري في السعودية بدأ ينفد وآن الآوان لخيارات بديلة لاستعادة هذا الدور وهذا الحضور.

الوجه الثالث هو الوجه الاكثر واقعية ويقوده نهاد المشنوق ومعه النائب سمير الجسر وبعض الشخصيات المعتدلة من رفاق الرئيس الشهيد امثال محمد السمان وغيرهم كثر خلف الاضواء. وهؤلاء جميعهم من انصار الحوار والتفاهم وتذليل الخلافات ويساندون الرئيس سلام في محنته داخل "المستقبل" واول من نفى توجه سلام نحو الاستقالة كان المشنوق ومن الامارات الاسبوع الماضي.

اذن امام سلام تحديات كثيرة ليست الاستقالة او الاعتكاف اوغيرها من الصيغ التي يتفوه بها وزراء ونواب المستقبل من حلولها السحرية، فصخرة الاستقالة ستقع كالسيل الجارف على رأس السعودية و"المستقبل"، على ابواب التبدلات المنتظرة في المنطقة. فهل من مصلحة السعودية خسارة آخر مرتكزاتها السياسية بعد الفشل في تحقيق اي انجاز في سورية وفي العراق واليمن؟