يبدو أنّ فلسفة السلاح في لبنان تتوزّع على 18 طائفة وحزب فتساوي 18 جزءاً من فلسفة الدفاع عن النفس التي تشرعنها الزعامات على قاعدتها بمفاهيم تشرّع حمل السلاح بذرائع كلها تصبّ في الخانة نفسها.

المؤسف في هذا الأمر أنه كلّما تطرق اللبنانيون إلى ملف السلاح حضر في خيالهم فوراً سلاح حزب الله، وهو السلاح الذي يجد فيه البعض نافذة للهجوم على حزب الله.

أثبتت التجربة أنّ إدارة السلاح بالنسبة إلى حزب الله هي إحدى أهم ركائز تشريعه وطنياً، وأنّ هذه الإدارة، مهما كان الهدف من حمل السلاح، وهو قتال العدو «الإسرائيلي»، تبقى هي الأساس في نجاح مهمّاته داخلياً وخارجه على نطاق الوطن.

الحديث عن إدارة السلاح بالنسبة إلى حزب الله بات مدرسة داخلية وخارجية، وإن حاول البعض اعتبار حادثة 7 أيار خلاف ذلك، لكنهم يعرفون جيداً أنّ عملية السابع من أيار نفذت بقرار وليست تفلتاً لعناصر غير منضبطة وتتم محاكمتها على هذا الأساس.

إنّ إدارة السلاح عند حزب الله كأكبر حزب مسلح وليس الأوحد وهذا هو الأهم، هي إدارة محترفة لمسؤولية تتخطى حدود القتال في معركة واحدة بل تمتد إلى أعوام مقبلة طالما أنّ الوجود «الإسرائيلي» يحيط باللبنانيين كجار وجوار.

ليس في سلاح حزب الله حوادث فردية وارتكابات مرافقين للمسؤولين، وحادث مؤسف ولا عناصر غير منضبطة بل سلاح يحكمه بأدقّ التفاصيل قرار واحتراف.

يشكل سحب سلاح حزب الله مطلباً «إسرائيلياً» وداخلياً، إلى حدّ ما، بسبب انعدام الإجماع حول ضرورته منذ ما بعد تحرير الجنوب اللبناني على الرغم من صعوبة ملء الفراغ الذي يغطيه هذا السلاح عند اندلاع مواجهات مع «إسرائيل».

لا يأبه حزب لله كثيراً لمحاولات التشويش على سلاحه واضعاً إياها في إطار الخدمة المجانية المُقدّمة إلى «الإسرائيليين» والأميركيين مع العلم أنه ملتزم بمناقشة استراتيجية دفاعية تحكي عن هذا السلاح، وضعها الحزب بين الفرقاء اللبنانيين على طاولة الحوار كحقّ لهم.

ليس سلاح حزب الله وحده الذي يغطي مساحة الأراضي اللبنانية فعلى هذه الأرض عناوين عريضة كثيرة تغطيها كميات من السلاح في المخيمات الفلسطينية مبعثرة بين الأيادي وتشكل خطراً على سكان المخيمات والجوار، بالإضافة إلى السلاح الموجود بين أيدي الأحزاب اللبنانية الأخرى التي تبرّر أنّ سلاحها هو للدفاع عن النفس.

ربما هذا الدفاع عن النفس هو لدى البعض من خطر سلاح حزب الله لكن وعلى أي حال، فإنّ فلسفة انتشار السلاح هذه الموجود في أيدي كلّ زعماء الطوائف وعناصرهم تؤكد أنّ السلاح ليس حكراً على حزب الله في هذه الدولة الافتراضية التي باتت تشبه كلّ شيء إلا الدولة التي تتمتع مؤسساتها بالمكانة والمهابة، والأهم أنّ افتعال الأزمات حول سلاح حزب الله بات اليوم أمام مازق أكبر، فقد تبين اليوم أنه السلاح الأوحد المرفوع بعلم الدولة والعالم كله بأهداف معروفة ومعلنة تبين أنّ التشكيك بشرعيته وتخويف اللبنانيين منه على مستقبلهم ومستقبل أولادهم ومن هالته الموجودة على الأرض الحاضرة الغائبة محض افتراء وتسييس للمشاعر التي تتدفق عفوياً مع كلّ حادثة يسقط فيها دم غال وعزيز في فوضى الأمن وفلتان حبله.

الشهيد المقدم ربيع كحيل استشهد لأتفه الأسباب بسلاح رفع في وجه الشرعية عن سابق تصور وتصميم، وضع في إطار جريمة محدودة إلا أنه اليوم جريمة بحجم الوطن والكلام بات مختلفاً.

توزيع رخص السلاح الفردي وجني الأرباح من خلال عدم ضبطها وتوزيعها على المتنفذين وأبنائهم وأقاربهم ومرافقيهم يتحمل مسؤوليتها اليوم وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل المفترض أنه الحريص على الجيش اللبناني وقائده، ووزير الداخلية نهاد المشنوق الذي بذل عناية كبيرة في طرحه تطبيق قانون السير الجديد وبات تحت عيون اللبنانيين ومطلوب منه بذل جهد أقلّ ووقت أقلّ في ضبط رخص السلاح، هذا السلاح الفالت في بلد فالت ووزراء متفلتون من مسؤولياتهم بما لا يعكس إلا ركاكتهم في تولي مناصب ومهمّات لا يستحقونها بنظر شعبهم.

السلاح الفالت في لبنان الذي يحصد أرواح الأبرياء لأتفه الأسباب كشف زيف ادعاءات الخوف من سلاح حزب الله الذي أثبت أنه السلاح الأكثر ضبطاً من كلّ مخيلات رؤساء الأحزاب والطوائف.

أثبت حزب الله أنّ إدراة السلاح أخلاق، وقد نجح عناصره في عدم الوقوع تحت غرور مراجل عاشها أبناء زعماء فاسدين في هذا البلد يظنون أنهم تحت غطاء وحماية إلى الأبد.