في الوقت الذي عاد فيه الحديث عن مُبادرات ووساطات ومفاوضات إقليميّة ودَوليّة جديدة لوقف الحرب في سوريا، ولمحاولة تسويق خطّة تسوية سياسيّة، تسير المعارك الميدانية الإستراتيجيّة بشكل مُستقلّ تماماً عن كل هذه الجهود، وفي طليعتها ​معركة الزبداني(1). فهل سيستعيد ​الجيش السوري​ مدعوماً بمقاتلي "حزب الله" المدينة المذكورة، ومتى؟

في الثاني من حزيران الماضي، بدأ تضييق الخناق على مدينة الزبداني التي تقع في أقصى جنوب منطقة القلمون السوريّة، والتي تُعتبر مُهمّة إستراتيجياً(2)والتي إرتأى الجيش السوري ومُقاتلو "حزب الله" أنّ معركتها يجب أن تسبق إنهاء معركتي جرود القلمون وجرود عرسال، فتراجعت وتيرة الهجمات في هاتين المنطقتين بشكل كبير، لتتركّز في مدينة الزبداني التي تعرّضت لسلسلة من الهجمات العنيفة في الأسابيع القليلة الماضية. لكن بعد مرور أكثر من شهر على هذه المعارك المُحتدمة، لم يتمكّن كلّ من الجيش السوري و"حزب الله" من السيطرة على كامل المدينة على الرغم من إستخدام سلاح الطيران بشكل كثيف (على مستوى عدد الغارات الصاروخيّة والبراميل المُتفجّرة التي يتمّ إلقاؤها فوق المباني والتحصينات) وعلى الرغم من إستخدام تغطية ناريّة برّية ساحقة (على مستوى المرابض المدفعيّة وراجمات الصواريخ والدبابات ومدافع الهاون، إلخ)، وعلى الرغم من إشراك وحدات نخبويّة تابعة للحزب ومجموعات من الفرقة الرابعة التي يُشرف عليها العميد ماهر الأسد والتي تُعتبر من بين أقوى وحدات الجيش السوري وأفضلها تجهيزاً.

لكنّ الجيش السوري ومُقاتلي "حزب الله" تمكّنوا من إسقاط الدفاعات الأماميّة عن المدينة في أكثر من محور، ونجحوا في الوصول إلى أحياء في عمق الزبداني، لكن في ظلّ خسائر بشريّة كبيرة. وبحسب المعلومات فإنّ الرقعة الجغرافية التي باتت تنتشر فيها الفصائل المُعارضة(3)لا تتجاوز الثلاثة كيلومترات مُربّعة فقط(4). لكنّ المُقاتلين الموجودين داخل مدينة الزبداني التي تحوّلت إلى كتلة من الركام المُتراص، يرفضون الإستسلام حتى هذه اللحظة، وهم يستفيدون من الشوارع الضيّقة ومن المباني المُتلاصقة لإعتماد سياسة قتال تراجعيّة مُكلفة جدّاً للمُهاجمين، خاصة وأنّهم يستخدمون عبوات ناسفة وصواريخ مُوجّهة وقناصات بعيدة المدى. وبسبب فرار سكّان المدينة الذين يُقدّر عددهم بنحو 50,000 نسمة، وبسبب مُحاصرتها بشكل شبه كامل، فإنّ القتال الدفاعي هو شرس جدّاً، الأمر الذي يُبطئ وتيرة المُهاجمين.

لكنّ القرار بعدم وقف المعركة قبل إسقاط مدينة الزبداني بشكل كامل محسوم من قبل الجيش السوري و"حزب الله" مهما كانت كلفة الهجمات، ومهما طالت الفترة الزمنيّة المطلوبة، لأنّ هذه المعركة تدخل في صلب المعارك الإستراتيجيّة التي يخوضها النظام السوري. وحسمها بالكامل يعني عملياً حماية العاصمة السوريّة، وحماية طريق دمشق الدولي أيضاً، والأهمّ تثبيت الخط الدفاعي الذي يعمل الجيش السوري والقوى الحليفة على إقامته لربط العاصمة السورية بالساحل السوري على البحر الأبيض المتوسّط، ومُتابعة تأمين كامل المنطقة ومعالجة كل الثغرات الأمنيّة فيها، وفي طليعتها مدينة الزبداني. وفي محاولة لوقف الهجوم المُستمرّ على المدينة المذكورة منذ أكثر من شهر، حاول "جيش الفتح" ممارسة مجموعة من الضغوط المُوازية عبر مهاجمة بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيّتين المُحاصرتين في ريف إدلب من دون تحقيق أيّ تقدّم، ثم عبر شنّ هجمات صاروخيّة على بلدات مختلفة في جبال اللاذقيّة، وكذلك على القرداحة مسقط رأس الرئيس السوري بشّار الأسد، لكنّه فشل في تحقيق أيّ نتائج تُذكر.

في الختام، كلّ المعلومات تؤكّد أنّ معركة الزبداني ستستمرّ مهما إرتفعت الكلفة البشريّة، ومهما طالت الفترة الزمنيّة المطلوبة، ومهما كانت الضغوط المُقابلة. وهي ستنتهي بسيطرة الجيش السوري والقوى الحليفة له على الزبداني بشكل كامل، لأنّ هذا الأمر هو مسألة وقت لا أكثر، حيث جرى حتى اليوم قطع نصف الطريق لذلك. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: بأيّ كلفة سيأتي النجاح المُنتظر للهجمات الحالية؟

(1)من الضروري التذكير أنّ معركة الزبداني الحالية ليست الأولى من نوعها، حيث أنّ المدينة كانت تعرّضت لهجوم عنيف نفّذه الجيش السوري في كانون الثاني من العام 2012، وأشرك فيه نحو 50 دبّابة ومئات وحدات المُشاة، والسيطرة عليها تبدّلت أكثر من مرّة، قبل أن تُصبح خارج سيطرة النظام السوري كلّياً في السنتين الأخيرتين.

(2)كونها تربط العاصمة السورية بمدينة حمص، وموقعها الجغرافي يؤمّن التواصل بين القلمون الجنوبي والقلمون الغربي، إضافة إلى أنّها تتواصل من جهة الجنوب مع القلمون الشرقي. وأكثر من ذلك، هيّ تُطلّ على كامل منطقة الزبداني والقرى المحيطة بها من الجهة الشرقية، بينما تُطلّ على العديد من القرى في البقاع اللبناني، والتي تقع شرق زحلة وإلى الجهة الغربيّة من بعلبك. كما أنّها قريبة من طريق بيروت – الشام ومن نقطة المصنع الحُدوديّة، ما يعني إمكان قطع طريق دمشق بالنار.

(3)تضمّ مُقاتلين من كل من "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"القادسيّة"، علماً أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء كان إنسحب إلى المدينة بعد سُقوط مدن وبلدات يبروك والنبك والسحل ورنكوس وعسل الورد وغيرها.

(4)للمُقارنة إنّ مخيّم "عين الحلوة" في الجنوب يمتدّ على مساحة كيلومتر مُربّع واحد.