السلطان أردوغان يترنح بعد خسارته الانتخابات وعجزه عن تأليف الحكومات منفرداً، فبدأ يجول على الأحزاب من المعارضة المعتدلة، وحتى المتطرفة، يستجدي الشراكة، لالتقاط الأنفاس، ولإشراك الآخرين في خسائره المتوقَّعة، والتي بدأت تباشيرها تظهر في أعمال العنف والتفجيرات، ومقتل عشرات العسكريين الأتراك، وجرح أضعاف أعدادهم.

الليرة التركية تتهاوى، والاقتصاد يعيش القلق والتوتر وعدم الاستقرار، خوفاً من المستقبل الدامس الذي يصنعه التكفيريون من "داعش" وأخواتها من أبناء أردوغان بالتبني؛ في تكرار للانكشارية التي صنعها السلطان التركي من اللقطاء والأسرى والأيتام مجهولي الأهل، فربّاهم على الولاء له والتوحش، ليس من أجل الدولة التركية، بل من أجله فقط، فانقلبوا عليه بعدما استشعروا القوة في أنفسهم، فكان الصدام القاتل بينهما، وهذا ما سيكون عليه الحال مع "داعش" وأردوغان، والذي كانت أولى بشائره تهديد "داعش" لأردوغان بتـحرير تركيا منه ومن الفساد والعلمانية وردّها إلى ديار الإسلام، وهذا أول اتهام من التكفيريين لـ"حزب العدالة" التركي بأنه غير إسلامي، وإن تبرقع ببرقع "الإخوان المسلمين"، مما يسحب البساط من تحته ويدحض ادعاءاته بأنه حامي المسلمين، خصوصاً أهل السُّنة.

أسقط أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" اتفاق الهدنة مع "حزب العمال الكردستاني"، فانفجر الوضع الأمني بوجهه، وخسر كل ما تبجّح به عندما وقّع ذاك الاتفاق ليخدع الشعب التركي بأنه صاحب المكرمة الكبيرة لشعبه بشعار "صفر مشاكل" مع الجيران، لكنه قصد بذلك إلغاء القرار المستقل للجيران في سورية والعراق، عبر تسلّمه للحكم عبر "الإخوان المسلمين" و"داعش" و"النصرة" وأخواتها، أي إلغاء الجار الآخر وتعيين دمى تابعة له في السلطة كما يعيّن الائتلافات والمجالس والمعارضات السورية في فنادق تركيا، أو دميته الكبرى محمد مرسي الذي لبى طلب أردوغان فاعترف باتفاقية "كامب ديفيد" مع العدو "الإسرائيلي"، وحاصر غزة و"حماس"، فشكرته الأخيرة على "عطاءاته" بالشراكة مع قطر، وتنكّرت لدعم إيران وسورية والمقاومة في لبنان، وشكرت بعض القوى السياسية من "14 آذار"، ولم تشكر الذين قدّموا لها الدعم من "8 آذار" وغيرهم من الشرفاء.

فرضت اللإدارة الأميركية على المغرور أردوغان وحزبه وحكومته إحتضان التكفيريين وكل المعارضة السورية لإسقاط الدولة والرئيس والكيان السوري، ولفتح حدودها ومطاراتها ومدنها لكل تكفيريين من العالم لغزو سورية والقضاء على المقاومة، فقام أردوغان بتنفيذ ما طلبه الأميركيون صاغراً ذليلاً دون نقاش، وتباهى بذبح سورية بسكاكين التكفير وغزو العراق بجحافل "داعش"، وتخريب مصر بـ"الإخوان القطبيين" و"دواعش" سيناء، ولما وجدت أميركا بعد صمود سورية والعراق وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وتقدم الروس في منطقة الشرق الأوسط، سارعت للطلب من أردوغان - السلطان أن يعلن الحرب على "داعش"، فلبى دون نقاش، وانقلب على عقبيه وقال بوجوب قتال الإرهاب "الداعشي".. لكن أيهما نصدق؛ أردوغان حليف "داعش" أم أردوغان عدو "داعش"؟

هل نثق بأقوال وأفعال تركيا التي تدور وفق عقارب الساعة الأميركية؟ وماذا لو عاقبت أميركا الدمية - السلطان لإخفاقه بإسقاط الرئيس الأسد وفشله في تقسيم سورية؛ فاستغنت عن خدماته كما فعلت مع مبارك وبن علي وشاه إيران وصدام حسين؟

تركيا على حافة الهاوية الأمنية والسياسية والاقتصادية، وبداية النهاية للرقص على الحبال المتعددة الشعارات التي تكذبها الوقائع والممارسة لـ"حزب العدالة" التركي بعد فشل مشروع حكومة الائتلاف الوطني والمعارضة، وبعد اعتذار أحمد داوود أوغلو شريك أردوغان بتشكيل الحكومة، وبعد رفض "حزب الشعب المعارض" المشاركة في الحكومة المؤقتة..

بعد تزايد الأعمال العسكرية للأكراد، وتوسع جغرافيا المعارك والتفجيرات ضد الجيش التركي نسأل: ماذا بقي من خيارات لحكومة أردوغان وحزبه سوى الانتخابات المبكرة؟ لعله يعيد الإمساك بزمام الأمور بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، أو تصعيد العنف ضد الأكراد و"داعش" وسورية، لتحطيم الهيكل التركي على الجميع، والبقاء على رأس السلطة المنهكة، وسلطاناً على تركيا المحترقة.

هل يتدخل الجيش وينقذ تركيا من بهلوانيات أردوغان وحزبه، أم ينتفض الشعب التركي فيُسقط أردوغان في الانتخابات المبكرة؟