على وقع التحركات الشعبية في الشارع، تتكثف الإتصالات والمشاورات السياسية في البلاد، وتدخل على خطها الكثير من العوامل الداخلية والخارجية، أبرزها تلك الأمنية والدبلوماسية، لتشكل حاجزاً يمنع تفاقم الأوضاع وصولاً إلى الإنفجار المنتظر بأي لحظة، بالرغم من أن كل فريق لا يزال على مواقفه السابقة المعلنة.

من حيث المبدأ، يعيش جميع الأفرقاء المحليين القلق من تطور الأوضاع بسرعة دراماتيكية، إلا أن أياً منهم لا يبدي إستعداده لتقديم أي تنازل، في المرحلة الراهنة، خصوصاً أن هذا الأمر سيسجل في ميزان ربح خصومه، والظروف في البلدان المجاورة لا تسمح بهكذا مغامرات، بسبب عدم تبيان الخيط الأبيض من الأسود على مستوى ما يحصل في المنطقة والعالم، وبالتالي يجب إستمرار الأوضاع على ما هي عليه بعض الوقت.

على هذا الصعيد، لا تنفي مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن التظاهرات والإعتصامات التي تحصل في الشارع اللبناني تحظى بمتابعة حثيثة من قبل العديد من السفارات الأجنبية في البلاد منذ البداية، إلا أنها تجزم أن الهدف متابعة الرسائل التي يريد كل فريق إرسالها من خلالها، والبحث عن إمكانية الإستفادة منها بغية تحقيق بعض الأهداف، لا سيما أن الإنطلاقة كانت بسبب أزمة النفايات التي يريد بعض الأفرقاء الإستفادة من مغانم ثرواتها لا أكثر، لكن طريقة التعامل معها أدت إلى تفاقمها مع مرور الأيام.

وتشير هذه المصادر إلى قناعة بأن ما يحصل لا يمكن أن يكون منفصلاً عن رغبات بعض الجهات السياسية، إلا أنها تؤكد بأن خروج الأوضاع عن السيطرة دفع بالجميع إلى إعادة حساباتهم، والدليل هو ما حصل من خلال إلغاء نتيجة مناقصات النفايات في المناطق، وتضيف: "الكل يعمل اليوم على لملمة القضية بأقل الخسائر، نظراً إلى أن لا مصلحة لأحد بتجاوز الخطوط الحمراء الموضوعة بدقة".

في هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أن الثوابت الأساسية، التي سوف تحكم المرحلة الراهنة، حددتها البيانات العلنية، الصادرة عن الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة اللبنانية، من الولايات المتحدة إلى روسيا وصولاً إلى السعودية وإيران، التي شددت على ضرورة الحفاظ على الإستقرار الداخلي ومنع إنزلاق الشارع إلى المجهول، بالإضافة إلى التمسك بحكومة ​تمام سلام​ ومنع إستقالتها، والدعوة إلى أن يكون الحوار أساساً في تنظيم العلاقة بين الأفرقاء المختلفين، وتؤكد بأن هناك شبه إجماع على ضرورة أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه، في الوقت الراهن، بانتظار تبدل بعض المعطيات التي قد تكون مساعدة في التوصل إلى إتفاقات جيدة.

وتوضح المصادر السياسية المطلعة أن هذه الركائز هي التي تدفع بعض السفراء الغربيين إلى القيام بجولات مكثفة من الإتصالات والمشاورات مع الشخصيات الفاعلة على الصعيد المحلي، لا بل حتى تقديم المبادرات السياسية والدستورية، لمنع تفاقم الأزمات بين القوى المشاركة في الحكومة، وتؤكد بأن الحركة التي يقوم بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري تصب في هذا الإتجاه، بالرغم من أن الرجل كان قد قرر في الفترة الأخيرة "الصوم" عن الكلام، بسبب خلافه مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون حول النظرة إلى المجلس النيابي.

من وجهة نظر هذه المصادر، الأساس في كل هذا الحركة الدبلوماسية والسياسية هو موقف "حزب الله"، الذي تأخر بعض الوقت من أجل الإعلان عن موقفه من الحراك الشعبي، إلا أنه أكد لجميع من يعنيهم الأمر، بشكل واضح، بأنه يقف إلى جانب حليفه، "التيار الوطني الحر"، في كل ما يطرحه من مطالب، ما يعني أن تجاوزه يعني تجاوز الحزب، الأمر الذي من المعروف أنه لا يمر مرور الكرام بموجب التوازنات الداخلية القائمة، وبالتالي دفع البعض إلى مراجعة حسابته جيداً، ما ترجم سريعاً من خلال تجاوب تيار "المستقبل"، عبر رئيس الحكومة تمام سلام، في موضوع إصدار المراسيم المشهورة، ومن ثم تمني رئيس المجلس النيابي التريث في الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ساهم الحراك الشعبي في الشارع في تهدئة بعض الأفرقاء، وفي تحريك عجلة الإتصالات السياسية، خصوصاً بعد أن لمس الجميع إمكانية إنفلات الأوضاع بأي لحظة، إلا أنها تدعو إلى إنتظار الأيام القليلة المقبلة لمعرفة النتائج العملية، لا سيما ما سيحصل على صعيد التظاهرات التي ستقام يوم السبت.

في المحصلة، الساعات المقبلة ستحمل معها مؤشرات جازمة حول ما يريده كل فريق، وعندها ستتضح الصورة التي ستكون عليها البلاد، لكن المؤكد أن الأوضاع ليست على خير ما يرام، والتسوية السريعة هي التي تقلل من الخسائر.