لم ينتظر تنظيم "داعش" الإرهابي طويلاً حتى يتحرك، بوجه المخططات التركية والأميركية، لا سيما بعد الإعلان عن مفاوضات من أجل الإنقضاض عليه، بهدف إبعاده عن الحدود السورية الشمالية، بالرغم من أن أهداف أنقرة تبدو أقرب إلى محاربة التنظيمات الكردية، لا سيما قوات "حماية الشعب"، منها إلى محاربة الإرهاب، ولكنها تتخذ منه عنواناً عريضاً، حيث تعتبر أن تقدم ​الأكراد​ يشكل خطراً على أمنها القومي، في حين ترى واشنطن أن هدف أي عملية عسكرية ينبغي أن يكون محاربة التنظيم الإرهابي دون غيره.

من هذا المنطلق، يبدو ريف حلب الشمالي هو مسرح العمليات العسكرية والسياسية الأساس في المرحلة الراهنة، خصوصاً أنه بات يشهد تحولات كبرى شبه يومية، لا تستثني أياً من الفصائل والكتائب المسلحة العاملة على الأرض السورية، في مشهد يوحي بأن كل الأجواء تتحضر تباعاً لتدويل الأزمة في هذه الرقعة الجغرافية، بغية تحقيق المطالب التركية بشكل أو بآخر.

في هذا السياق، تشير مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، إلى أنه بعد إعلان جبهة "النصرة" الإرهابية عن إنسحابها من بعض النقاط والمراكز الحدودية، عبر الإعلان عن رفضها الإشتراك في المشروع التركي، من دون الذهاب إلى حد محاربته، كان دور حركة "أحرار الشام"، بالإضافة إلى بعض الفصائل الأخرى أكثر إلتباساً، عبر إصدارها العديد من البيانات التي تؤكد فيها الإستعداد لتكون في خدمة المشروع، لكن في ظل إستمرار الموقف الأميركي المعترض كان المطلوب خطوات أكبر من حيث الحجم والنوع.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه في هذه اللحظة المصيرية، قرر تنظيم "داعش" الإرهابي الذهاب إلى مواجهة مفتوحة، في ريف حلب الشمالي، مع مختلف الفصائل والكتائب المعارضة، التي تدور في الفلك التركي، خصوصاً في مدينة مارع، تحت عنوان محاربة "الصحوات"، التي تريد أن تكون "أداة" في خدمة المشروع التركي، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة التي لديها، ناهيك عن الأسلحة الكيميائية، التي بدأت تروج قوى المعارضة عن إستهداف المناطق التي تقع تحت سيطرتها بها من قبل التنظيم، وتوضح أن لهذه المدينة من ناحية أخرى أهمية إستراتيجية على مختلف المستويات، كونها تمنح من يسيطر عليها القدرة على التقدم نحو مناطق أخرى.

من وجهة نظر هذه المصادر، الخطوة التي قام بها "داعش" تعود بخلفياتها إلى أمرين، أن يكون التنظيم الإرهابي في صدد قطع الطريق أمام الهجوم الذي يجري الإعداد له من قبل جهات متعددة، عبر القضاء على القوى التي من الممكن أن تشكل القوات البرية ضده، خصوصاً أن تركيا والولايات المتحدة لن تقدما إلا دعماً جوياً، كما يحصل خلال المعارك التي تقوم بها القوات الكردية، أو أن تكون هي بنفسها تقوم بخدمة المشروع التركي، من خلال دفع مختلف القوى الفاعلة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، إلى دعم حكومة أنقرة في خياراتها الحالية لناحية بناء منطقة عازلة، لا سيما أن إستخدام الأسلحة المحرمة دولياً يساعد في تدعيم حجة التدخل العاجل.

وفي حين لا تزال المعارك حتى الآن دائرة في محيط مارع، من دون أن يتمكن أي فريق من حسمها بشكل نهائي، ترجح المصادر المراقبة أن يكون الخيار الثاني هو الأقرب إلى الحقيقة، أي أن "داعش" يقدم خدمة إلى أنقرة، بعد أن قدمت له الكثير في الفترة السابقة، قبل أن تجبر على تشديد إجراءاتها بسبب الضغوط التي مارستها الدول الأوروبية، نتيجة تورط أعداد كبيرة من مواطنيها في الحرب السورية، من خلال الإنضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية، الأمر الذي بات يشكل هاجساً كبيراً بالنسبة إليها، خصوصاً إذا ما قرر البعض منهم العودة إلى بلدانهم.

في جميع الأحوال، ترى المصادر نفسها أن تركيا ستكون مستفيدة من نتائج المعركة الدائرة في ريف حلب الشمالي بغض النظر عن هوية المنتصر، لكن السؤال المطروح سيبقى متعلقاً بأوضاعها الداخلية، خصوصاً بعد الإعلان عن التوجه نحو إنتخابات برلمانية مبكرة بعد الفشل في تأليف حكومة إئتلافية، وتضيف: "أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ستبقى هي المحرك الأساسي للسياسات الخارجية إلى حين ظهور نتائج الإنتخابات، وبعدها من الممكن الحديث عن التوجهات المستقبلية".

في المحصلة، باتت أغلب المعارك التي تدار على الأرض السورية تأخذ بعداً إقليمياً أكبر من بعدها المحلي، في سياق السعي إلى تحصين أوراق القوة قبل الدخول في مرحلة المفاوضات السياسية، من دون أن تتضح معالم أي تسوية بشكل نهائي حتى الآن.