لا يجوز أن يشتعل البلد لأنَّ الوزير المدلل لا يريد أن يستقيل، مع أنّه ترك مسؤوليته، وترك المسؤولية هو بمثابة استقالة، فلماذا هذا التمسك بالكرسي وترك الحقيبة، لو كان هذا الوزير جدياً لكان سلم ملف النفايات منذ يوم السابع عشر من تموز، تاريخ إقفال مطمر الناعمة، ولو أعلن على الملء عجزه منذ ذلك الحين لوفَّر على الناس كل هذه الفوضى.

***

كما يُفترض بالنيابة العامة المالية أن تُسرِّع التدقيق في ملف سوكلين ومن لفّ لفها، حيث أنَّ أرباحاً خيالية حقَّقتها هذه الشركة، وكلُّ ذلك من جيب المكلَّف اللبناني، إنَّ تسريع التحقيق يلقي الضوء على أموال النفايات التي أُغدقت على كثير ممن يتعاطون الشأن العام، في مختلف القطاعات، السياسية والنقابية والاعلامية، هذا الملف يجب ان يبقى مفتوحاً على مصراعيه إلى حين استكشاف أين ذهب كل قرش؟ ولمن أُعطي.

***

وفي خضمِّ هذه التطورات المتسارعة، هل يُعقل أن يتحدد موعد الحوار في التاسع من هذا الشهر؟هل صارت وظيفة هذه الطاولة ملء الوقت الضائع؟ ألم يتحفنا الرئيس بري بالحوار منذ 2006 وأشرفنا على ال 2016 وماذا تحقق لا شيء سوى المماطلة، ولأنَّ الشيء بالشيء يُذكر، لماذا طرح اليوم العماد عون الانتخابات النيابية؟ هل الوضع يحتمل اجراء مثل هذه الانتخابات؟ ووفق أي قانون؟ وحين كان هناك رئيس الجمهورية لِمَ لمْ يتفقوا على قانون يرضي اولا جيل الشباب؟ أم هو طرحٌ من طروحات الوقت الضائع الى حين طاولة الحوار التي ستنتهي مثل غيرها!

***

إذاً، شيءٌ من الغموض، ممزوج بشيء من الفوضى، مع شيء من التكهنات، مع كثير من التوقعات، يلفُّ الساحة الداخلية، وهذه ظاهرة قلَّ نظيرها في لبنان لأن ما سبق من تطورات غالباً ما كان لها مرجعيتها، ويُعرف من هذه المرجعية ما كان يمكن ان يحدث.

اليوم مَن هي مرجعية الشارع؟ مَن يحرِّكه؟ مَن يحدد المهل؟ مَن يرسم الاولويات؟ كل ما يعرفه الرأي العام يقول إنَّ بياناً يصدر وعلى اساسه تتحدَّد الامور، تماماً كما صدر بيانٌ عقب مسيرة 29 آب حدد مهلة 72 ساعة لتحقيق المطالب تحت طائلة التصعيد مجددا.

ربما يمكن ايجاد مصطلح لما يجري بأنه الغموض البناء من اشباح، لأنَّ الشباب كثير منهم عفويون، لكن عليهم أن يعرفوا أنَّ هناك من يستغل حراكهم الى منحى خطير وهو الوصول الى خراب، دمار، افلاس المؤسسات والشركات وقد برز معطيان رئيسيان:

الاول أنَّ هناك عريقين في قطف الثورات والانتفاضات عادوا يُطلون برؤوسهم في ساحة الشهداء، وهؤلاء يُفترض بالشباب ان يكونوا حذرين منهم ففي كل عرس لهم قرص حتى في كل مأتم لهم قرص، هؤلاء لا بد من ابعادهم عن الساحة وعن الساحات والطلب إليهم البقاء في منازلهم لأنهم يركبون الموجات منذ أيام الحركة الوطنية، منذ اربعين عاماً، ولم يضجروا أو ييأسوا أو يملُّوا بعد.

المعطى الثاني، وقد يكون مرتبطا بشكل أو بآخر بالمعطى الاول، هو ما كشف عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق بالاشارة الى جهات خارجية تساعد وتمول وتحرض، وتقوم بدور سلبي في التظاهرات لكنه لم يسمها الا بعد انتهاء التحقيقات.

وهو في مؤتمره الصحافي امس وضع الأمور في نصابها، فتحدث عن محاولات ل شيطنة قوى الأمن التي فاق عدد جرحاها ما وقع من جرحى في صفوف المتظاهرين. لكنه، في المقابل، كان جازماً بالقول: ان أي احتلال او اعتداء على مؤسسة عامة سوف يتم حسمه منذ اللحظة الأولى، تحت سقف القانون، وبالقوة اذا لم يستجب المعتصمون.

وإذ قدر المشنوق لبعض المتظاهرين أنهم ساعدوا العسكريين وحاولوا حمايتهم من الضرب والاهانات، فانه أيضاً كان شفافاً بالتدابير المسلكية بحق المخالفين من العناصر الأمنية، فأعلن إحالة ضابطين وستة عناصر على المجلس التأديبي، وتأنيب آخرين.

في أي حال، واضح أن ما بعد 29 آب ليس كما قبله، فهذه الانتفاضة التصاعدية يبدو أنّها لن تعرف التراجع حتى اشعار آخر، فهي بدأت في السابع عشر من تموز، موعد إقفال مطمر الناعمة، وكان حجمها بالعشرات، ثم تدرَّجت صعودا الى ان وصلت الى 22 آب مع تحرك ميداني لا بأس به، لتبلغ الذروة في 29 آب. لأنَّ معالي الوزير المدلل وُضع في وزارةٍ وفشل فشلا ذريعاً.

***

الجواب غير مشجِّع، فانتفاضة الشباب حدثٌ، فيما المعالجات أقل من عادية، إذ يستقيل وزير البيئة المسؤول من اللجنة المكلفة بملف النفايات ليسلمها إلى الوزير السابق أكرم شهيب، وكأن وزارة البيئة مهامها فقط النفايات، وليس على سبيل المثال حرقها، أو تلوث المياه الجوفية، ناهيك عن تلوث مياه البحر من جراء تحويل مياه الصرف الصحي، أما ريّ المزروعات والخضار، والى ما هناك من ملفات بيئية، للأسف لا تدخل في أجندة معاليه.

على كلِّ حال لننتظر تقرير الوزير أكرم شهيب يوم الجمعة آملين بحل سريع لمشكلة النفايات وبعدها نترقب أهداف الحراك إن كان شبابياً أم سياسياً بإمتياز.