فجأة تحرك الملف اللبناني حتى ظن البعض أن خروج لبنان من حالة الشلل الذي يتخبط بها منذ أشهر طويلة ستجد نهايتها بين ليلة وضحاها فهل أن هذا الظن في موقعه الصحيح وإلى أين ستتجه الأمور بشكل فعلي خاصة وأن التجارب السابقة لا تترك مجالا واسعا للتفاؤل بالحل، وأن في الماضي القريب تجربة ​القرار 1559​ المؤلمة.

و مع ذكر القرار 1559 نتذكر أن أميركا بعد غزو العراق في العام 2003 تحركت باتجاه سورية "لإخضاعها من غير حرب " فصدمت بالصلابة السورية و شجاعة الرئيس الأسد في رفض المطالب التي حملها كولن باول إلى دمشق عندها قررت أن تنتقم على طريقتها و بالوسائل التي تملكها و منها مجلس الأمن الذي كان لها مثابة السيف الذي تسلطه على رقاب معارضيها المتمسكين بسيادة بلدانهم ، و في غضون عام من الرفض السوري للإملاءات الأميركية كان القرار 1559 ،قرار جاء في شكله و مضمونه منافيا كليا لميثاق الأمم المتحدة و تحديا صارخا للقانون الدولي العام لما شكله من تدخل و انتهاك للسيادة الوطنية اللبنانية وللعلاقات اللبنانية السورية ، قرار فرض وصاية دولية على دولة مستقلة و عضو مؤسس في للأمم المتحدة .

لقد شكل القرار 1559 منطلقا لمأساة لبنانية تنامت خلال السنوات العشر الماضية ، حفلت بسلسلة اغتيالات لجئ اليها من قبل من عجز عن تنفيذ القرار على البارد ، كما و تضمنت حربا تدميرية شنتها إسرائيل على لبنان لمدة 33 يوما في العام 2006 ، واحدث انقساما في الشارع اللبناني أدى إلى عجز ما كان يسمى دولة عن القيام بوظائفها (الدولة في لبنان لم تتشكل بعد وفقا لقواعد القانون الدستوري) و انتهى الأمر إلى تعطيل أشباه المؤسسات الدستورية و الوقوع في شلل سياسي تام تجلى في العجز عن انتخاب رئيس جمهورية بعد الفيتو السعودي ، و العجز عن وضع قانون انتخاب يعيد تشكيل السلطة انطلاقا من مصدرها الرئيسي أي الشعب كما و العجز حتى عن التئام مجلس النواب ومجلس الوزراء .

لقد أنتج القرار 1559 وصاية مقنعة وأحدث فتنة أكيدة في لبنان، لكنه فشل في تحقيق أهدافه الأساسية رغم الكوارث التي أحدثها. نقول بهذا لأنه في المواجهة والحروب يميز بين ما تلحقه بالخصم من خسارة في الميدان وبين ما تحققه من انتصار يتمثل في تحقيق أهدافك فيها. ولا يعد منتصرا ألا من يفرض إرادته على خصمه ويجبره على التسليم بما يريد، الأمر الذي لم يتحقق لأميركا في لبنان من خلال القرار 1559 رغم أنها تمكنت من تحقيق بعض ما جاء في القرار لكن ما عجزت عن تحقيقه كان هو الأهم، فقد عجزت أميركا عن شطب المقاومة ونزع سلاحها أو عزلها أو إخراجها من القرار الوطني.

و اليوم يبدو أن المحاولة الأميركية لوضع اليد على لبنان تتكرر مستفيدة هذه المرة من عبر الماضي و من واقع المنطقة بعد العاصفة الإرهابية التي تضربها منذ خمس سنوات و يبدو ا ن المخطط الأميركي عاد إلى الساحة اللبنانية ليعوض تعثره في الإقليم أو ليتخذ من لبنان مكانا يحدث فيه خرقا يساعده في رسم خريطة المخارج في المنطقة، تحول جاء خلافا لما هو عليه التصور بان لبنان ورقة فرعية في ملف المنطقة لا يبحث فيها ألا بعد الاتفاق على حل في المنطقة كلها ، و يبدو أن المخطط لا يجد ضررا من المحاولة حتى اذا نجحت استفاد منها في سورية و اذا فشلت تنصل من تبعتها و القى المسؤولية على الأدوات المحلية .

أما مضمون الخطة كما يبدو فيتلخص بالقفز فوق الواقع وتخطي المطالب الوطنية الحقيقية والذهاب مباشرة إلى فرض امر واقع يحجب الإرادة الشعبية عبر رئيس جمهورية يعيد تشكيل السلطة بما يناسب أميركا و يتم انتخابه من قبل مجلس نواب مغتصب للسلطة فيأتي رئيسا مطعونا بشرعيته أسيرا لمن جاء به، انتخاب يجري تحت الضغط المركب المتشكل من دومينو متتابع الموجات يبدأ بتفاقم تردي الخدمات العامة، ينتج عنه حراك شعبي احتجاجي، يستتبع تحرك الطبقة السياسية ويواكب بتحرك القيادات الدينية الطائفية ثم يظلل بتدخل أممي من مجلس الأمن من طبيعة القرار 1559. وبهذا نفسر بعض الظواهر والمواقف، كما نتوقف عند ردات الفعل التي أجهضت بعض جزئيات الخطة أو عرقلتها على الأقل حتى الأن كالتالي:

1) لم تفلح ازمه النفايات في إخراج حراك شعبي يعمم المسؤولية ويدمج الصالح بالطالح لتحميل الكل (صالح وطالح) مسؤولية الفساد والتردي بما يخفف من مسؤولية الفاسدين الحقيقين والمعروفين اسما ووظيفة ويضغط على الآخرين لقبول انتخاب رئيس كيفما اتفق.

2) لم ينجح المخطط في وضع اليد على الحراك الشعبي الاحتجاجي وتجييره دعما لخطته، لا بل حدث ما لا يشتهيه وجاءت تظاهرة جمعة التيار الوطني الحر لتشكل صفعة قاسية له حيث وضعت الشارع في المكان الصحيح خدمة للإرادة الشعبية.

3) عجز الحوار عن محاصرة الفريق الوطني وانقلب إلى حصار الفريق الآخر وإحراجه بعد أن فرض عليه وبشكل واقعي جدول أعمال من بند واحد مضمونه تشكيل السلطة بالعودة إلى الشعب عبر قانون انتخاب يضمن التمثيل الصحيح أي بقانون نسبي ولبنان دائرة انتخابية واحدة.

4) فشل رؤساء الطوائف في تشكيل رافعة للخطة وكان لنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الذي اعتذر عن الحضور أثرا في منع التئام القمة ما سبب بتحولها إلى مجلس أحادي الاتجاه اعتاد اللبنانيون على خطابه منذ سنة تقريبا.

5) عجز مجلس الأمن من تقديم الدعم اللازم للخطة لم يرتق الموقف فيه إلى مستوى قرار ولم يرتفع سقف الضغط الذي أحدثه بيانه إلى مستوى القرار 1559 كما لم يغير الحال ما جاء في بيان أميركا السعودية.

وبالنتيجة يمكن القول إن مناورة انتخاب رئيس من حواضر الجيب الأميركي السعودي فشلت حتى الأن في بلوغ أهدافها، فشل فرضه واقع داخلي لبناني ودولي خارجي تمثل الأول بوعي وشجاعة سياسية وإعلامية مارستها القوى الوطنية السيادية الاستقلالية وعلى راسها حزب الله والتيار الوطني الحر، وتشكل الثاني من متغيرات إقليمية فرضت نفسها دوليا وانتتجت بيئة لا تشبه البيئة الدولية التي أنتج فيها القرار 1559.

بالإضافة إلى ذلك نكاد نعتقد أن بعضا من خطوط المناورة أو حبالها قد يستمر قائما ليلتف حول عنق من تصور أن مناورته ستعوض فشله وتأتي له برئيس يضع لبنان بين يديه، خاصة وأن الحراك الشعبي القائم اكتسب بعد جمعة التيار الوطني المشهودة مناعة تستعصي على التحريف والانحراف وفرضت حقيقة ثابتة بان حل ازمه لبنان لم يحن بعد لأنه لن يقبل بان يكون فوقيا يتجاوز إرادة الشعب اللبناني ، و لان فريق لبناني لم يتحرر بعد من القرار الخارجي ..فحتى ذاك الحين على لبنان أن ينتظر و يمرر المرحلة باقل ما يمكن من الخسائر ..فهل يكون ذلك ؟ أم ...؟