يصف مرجع سياسي بارز الحديث عن مواصفات الرئيس بأنه "ضحك على الذقون" وتلاعب بعقول الناس وخفة في التفكير. ليس انتقاصاً من طاولة الحوار او عرّابها الرئيس نبيه بري بل توصيف لواقع لبناني ملموس. المرجع الذي عاصر اتفاق الطائف وكواليسه وعايش رعونة تطبيقه طوال عقدين ونصف من الزمن وانحراف ممارسات اهل السياسة على الطائف وعلى الدولة والناس معاً، يعتبر ان انتخاب الرئيس لم يكن يوماً خاضعا للاعتبارات الداخلية فقط. وحتى التغني بجلسة انتخاب الرئيس سليمان فرنجية وفوزه بفارق صوت واحد على الرئيس الياس سركيس في العام 1970 كان حصيلة كباش داخلي -خارجي بين المحور السوفياتي -الناصري والسوري والحركة الوطنية في وجه المحور الاميركي واليمين المسيحي.

بعد الطائف كانت الورقة اللبنانية بيد النظام السوري وبمشاركة من النظام السعودي الذي كان يضمن حصته ايضاً بطريقة عبر من كان يمثله في رئاسة الحكومة ومن الوزراء المعينين والنواب المنتخبين على اساس قانون انتخابي معلب ومفصل على قياس كل الطبقة السياسية.

ولا يعتقد المرجع المذكور ان هناك متغيرات جذرية في العقلية اللبنانية او في الممارسة للسلطة رغم خروج سورية من المشهد اللبناني نظرياً منذ العام 2005 وفعلياً منذ العام 2011 فدخلت معادلة قطر من البوابة العريضة في العام 2008 قبل ان تخرج من الشباك في العام 2011 بعد انتهاء مفاعيل اتفاق الدوحة وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.

العقلية اللبنانية هي نفسها وفي ظل التأكد ان الطبقة السياسية وفيها كثيرون وليس الجميع يعتقدون جازمين ان مستقبل مناصبهم وكراسيهم يستند الى درجة كبيرة لحجم الدعم الخارجي والدولي والاقليمي الذي يحصلون عليه. وآخر همّهم ان يكونوا اصحاب مشروع وطني لبناني صرف ويحسبون حسابا للشعب. لذلك نجد هذه الهوة اليوم بين الشارع والسلطة التي يحميها من السقوط فقط هذا النظام الطائفي البغيض الذي يجعل من مصالح الطائفة وحساباتها فوق كل اعتبار والمس بها بأي طريقة كانت ولو دستورية او قانونية يعتبر مشروع حرب سياسية تقوم الدنيا ولا تقعد في وجهه.

ويرى المرجع ان الدستور بحكم تركيبته لم يكرّس هذه الطائفية بالمعنى الحرفي والعملي للكلمة لكنه فتح الباب امام اجتهادات وتكريس اعراف باتت بقوة النص الدستوري وصارت هي القاعدة وليس الاستثناء. وهذا الامر يعود الى تعطيل السلطات المتعاقبة لكل مفاعيل وصلاحيات السلطات الاشتراعية والرقابية والدستورية وجعلتها خاضعة لها بالولاء السياسي والطائفي وليست وصية او راعية لتطبيق الدستور واحترام القوانين. ويستشهد المرجع بحادثة رد الطعن بالمجلس النيابي والتمديد غير القانوني له وكذلك لكل التعيينات التي عطلت بفعل التمديد المخالف لابسط القواعد الدستورية. كما يعتبر ان الدستور حدد آلية انتخاب رئيس الجمهورية وحدد صلاحيات مجلس النواب وطرق انتخاب الرئيس. وما زال حتى اليوم بعض المشاركين في جلسات انتخاب الرئيس غير المكتملة النصاب يزايد على من لا يحضرون الجلسات. فالدستور مثلاً فرض انعقاد المجلس بصورة دائمة حتى انتخاب الرئيس لكنه لم يقل صراحة بجواز او عدم جواز الامتناع عن الحضور، هو ناقش في النصاب والانعقاد لكنه لم يشر الى الامتناع عن الحضور وهل هو مخالف له ام لا. ويعتقد المرجع ان عدم الحضور كالحضور هو حق تمارسه القوى السياسية والنيابية بغض النظر عن مساوىء عدم الحضور وعدم اكتمال النصاب في منع انعقاد الجلسات بشكل متواصل لانتخاب الرئيس وتأثيره على المؤسسات وانتظامها للوصول وعدم تعطلها كما نشهد منذ الشغور الرئاسي منذ 502 يوم.

البحث في مواصفات الرئيس على طاولة هيئة الحوار كهيئة غير تقريرية او انتخابية ولا تملك هذه الصلاحيات مجرد التلهي بجنس الملائكة. فالرئيس ليس طالباً انهى دراسته الثانوية ويريد التقدم لامتحان دخول في جامعة ما ويلزمه شروط او معدل عال ونسبة عالية من الذكاء. او موظف سيخضع لتجربة اداء او لامتحان مجلس خدمة مدنية. فلا الدستور حدد مواصفات الرئيس ولا يوجد قانون او سلطة في لبنان تحدد اهلية المرشح الى الرئاسة ومواصفاته وعمره باستثناء ان يكون لبنانياً منذ اكثر من 10 اعوام اتم الواحد والعشرين من عمره وغير محكوم بجناية او جنحة شائنة. وباقي القضايا تفصيل. فمجرد التوافق بين العوامل الخارجية والرغبة الدولية وانسجام المصالح مع اجراء الاستحقاق الرئاسي كانت التسويات تلد فجأة وتكر الامور بعدها من انتخاب الرئيس الى قانون الانتخاب الى تشكيل الحكومة بعد تسمية رئيسها وكانت كلها تأتي من ضمن سلة متكاملة. اما اليوم ،يعتقد المرجع المخضرم، ان لبنان واللبنانيين والطبقة السياسية كانوا امام فرصة ذهبية لتحقيق الارادة الداخلية في ظل غياب الاهتمام وانشغال الارادة الدولية بمشكلات المنطقة. لكنهم بقوا على تصلبهم وعنادهم ومراهناتهم فلم "يلبننوا" الاستحقاق الرئاسي ولم يتفقوا على اسم الرئيس اومبادىء اختياره وحتى الرئيس التوافقي او العسكري او الموظف الماروني من الفئة الاولى لم يعد في حسابات الطبقة السياسية. فلا توافق داخلي، واصرار على المناكفات والكسر والعزل والاقصاء والالغاء هو السائد.

المواصفات التي يراها المرجع الناشط في فلك محور المقاومة والممانعة هي ان يكون وطنياً ويستمع الى شعبه ويعمل وفق مصلحة هذا الشعب ولا يقفز فوق الحقائق الثابتة والراسخة والتوجهات الوطنية الجامعة ولا يزوّر التاريخ خدمة للملك او الامير او الرئيس الفلاني والسفير العلاني. فأي رئيس اذا لم يكن وطنياً وشعبياً ويملك التفويض الشعبي والثقل التمثيلي وعدواً للمقاومة وسلاحها ولسورية ودعمها للصمود في وجه الاحتلال الاسرائيلي للبنان ولافضل العلاقات مع ايران وكل دول واطراف محور المقاومة والممانعة لن يصل ولن يفوز .وهذه المواصفات تنطبق حتى الساعة على العماد ميشال عون والذي يلبي في شخصه وممارساته وتمثيله معظم هذه الصفات.

المواصفات الرئاسية على طاولة حوار ليست صاحبة اختصاص هي مجرد حبر على ورق ولن تؤدي الى انتخاب الرئيس في المدى المنظور، في ظل مشهد لبناني معقد ولا حسم فيه وتحت ضغط حراك عسكري كبير وميداني في المنطقة لا يعرف الا الله الى اين يصل ومتى وكيف ينتهي؟