تتصدّر أزمة الانتخابات الرئاسية اللبنانية واجهة الحدث اللبناني، على أنها أعقد استحقاقات البلاد، وخصوصاً الفراغ في سدّة الرئاسة يحتّم على الحكومة تسيير أعمال البلاد منفردة، مع تأجيل العديد من الاستحقاقات والملفات التي يتطلب البتّ فيها وجود رئيس للدولة.

تبدو الحكومة اليوم شبه معطلة والمتهم الأبرز بتعطيلها فريق تكتل التغيير والإصلاح الذي يدعو إلى تمرير ما يسميها حقوقاً له وأبرزها ملف التعيينات الذي لا يبدو أنه قد حُسم لمصلحة التكتل، حتى الساعة.

كان تكتل التغيير والإصلاح أول من طرح مفهوم انتخابات رئيس من الشعب مباشرة وقد قوبل هذا الطرح باستغراب من بعض القوى، التي هي على خصومة شديدة مع التكتل، حتى أنّ بعض الخصوم يرون أنّ أي انتخابات من هذا النوع ستجري تحت هيبة السلاح الذي يعتبر إحدى أوراق قوة حليف عون القوي، ألا وهو حزب الله.

جاءت مطالب العماد عون التعطيلية، كما تُسمى، على الشكل التالي: انتخابات نيابية يتبعها انتخاب رئيس للجمهورية، وما قبلهما تعيين قائد للجيش طرحه هو لأحقيته، بالنسبة إليه، وهو صهره العميد شامل روكز.

كشف عون عن كلّ الأساليب الممكنة التي تؤدي إلى الحلول التي تعيد إلى المسيحيين حقوقهم، والتي يقول إنّ فريقه يمثلها، وأبرز هذه الحلول الاستقالة الممكنة من الحكومة ومن مجلس النواب واللجوء إلى الشارع.

إنّ تصوير عون بأنه أساس التعطيل في البلاد لا ينصف الرجل، لأنّ التعطيل والتمييع بدآ قبل أن تتطور الأمور وتتراكم الاستحقاقات، وذلك بعد قبول غالبية الكتل النيابية التمديد للمجلس النيابي الحالي، بحجة عدم الاتفاق على قانون للانتخاب وبحجة الوضع الأمني المضطرب حينذاك، وعليه مدّد المجلس النيابي لنفسه مدة سنتين لتظهر المشكلة الأهم من دون منازع في البلاد والأخطر لارتباطاتها الإقليمية وهي الانتخابات التشريعية.

تؤكد الأحداث والتطورات التي سبقت التمديد والتي تلته أنّ هناك فريقاً في لبنان يخشى هذه الانتخابات التي، لن تكون في مصلحة تيار المستقبل، وإن أجريت على أساس القانون الأكثري الحالي، بحيث تبدو بعض المناطق التي كانت تحسب على التيار متململة اليوم من سياساته التي انتهجها ومن وجود الرئيس سعد الحريري خارج البلاد، ما أثر سلباً على قاعدة «المستقبل» الشعبية. ويربط التيار الأزرق هذا الاستحقاق بالأزمة السورية برمّتها، لذلك فإنّ عدم الاتفاق على قانون للانتخاب ليس إلا تأكيداً على أنّ هناك من ليست لديه النية للاتفاق، كما أنه تأكيد على أنّ عدم وجود نيات لإجراء انتخابات هو السبب الرئيس لعدم الاتفاق على القانون وهذا كله تعود أسبابه إلى العين التي تشخص ما يجري إقليمياً.

يعرف الرئيس سعد الحريري، كصاحب كتلة وازنة أنّ أي انتخابات تجري اليوم لن تكون لمصلحة التيار وحلفائه، وبالتالي فإنّ انتظار المعطيات الإقليمية ومصير اللاعبين في الساحة السورية بشكل خاص، هو القرار الضمني الذي تمّ الاتفاق عليه بين الأفرقاء اللبنانيين منذ أن تمّت صفقة التمديد، برعاية إقليمية ومباركة سعودية. فالأخيرة كانت تتحضر لدخول مرحلة جديدة في سورية لولا الحراك الروسي السياسي والديبلوماسي الكثيف في المحافل الدولية في شأن الأزمة السورية والذي تحوّل في ما بعد إلى تدخل عسكري وازن.

وعليه وإذا كان عدم وجود نية للاتفاق على قانون للانتخابات بسبب انتظار المعطيات المقبلة من سورية، فإنّ الطاولة التي قلبتها موسكو على رأس المتصارعين هناك تؤكد أنّ المشهد سيكون لمصلحة حلفاء سورية وإيران في لبنان إذا حققت روسيا الانتصار المأمول على الإرهاب، تماماً كما انقلبت النتائج لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

عملياً، وحدها طاولة الحوار اللبنانية اليوم، بغضّ النظر عن قوة حضورها، لناحية النتائج، تشكل صيغة جامعة يؤمل من خلالها التوصل إلى نتيجة في أحد الملفين الأساسيين: الاستحقاق الرئاسي قانون الانتخاب، وقد بدأ النقاش مؤخراً على نار هادئة جداً بدأها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالاستماع إلى مواصفات الرئيس العتيد، في نظر المتحاورين، وخصوصاً أنّ الاستحقاق الرئاسي يرتبط هو الآخر بالتطورات الإقليمية، لكنه أقلّ تعقيداً من ملف الانتخابات البرلمانية، خصوصاً إذا نجح الخيار التوافقي فيه وهو الأقلّ ضرراً على الفرقاء، لناحية حسابات تندرج ضمن إطار معادلة «الغالب والمغلوب» وهي المعادلة «المخيفة» بالنسبة إلى الجميع، فالانتخابات البرلمانية تنقل دفة البلاد وحكومتها، وهي السلطة التنفيذية، فعلياً إلى ترجيح كفّة طرف على آخر.

الملف اللبناني اليوم مؤجّل، وهو لا يتصدّر الهموم الإقليمية، فروسيا الحاضرة في المنطقة تشكل كبرى التحديات بالنسبة إلى الحلفاء والحلفاء المتقابلين، وتأتي بعدها السعودية الغارقة في حربها ضدّ اليمن، وقضية فلسطين التي التهبت فجأة. وبالتالي لا يجد الرئيس بري أمامه إلا إنقاذ الحوار وأحد بنوده إطالة عمر الاجتماعات، حتى ظهور بارقة أمل يخرج من خلالها المجتمعون برئيس للجمهورية في ظلّ غياب نيات الاتفاق على قانون انتخاب يسرّع الانتخابات قبل الحسم في المنطقة.