بعد سقوط التسوية التي كان يعمل عليها لترقية العميد ​شامل روكز​ الى رتبة لواء وإبقائه ضمن نادي المرشحين الى قيادة الجيش، اعتقد الكثيرون أن رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون لن ينتظر كثيراً للإعلان عن ردة فعله وخطواته التصعيدية التي قد يتخذها ضد خصومه، وكانت العيون شاخصة في إتجاه بعبدا وتحديداً الى مدخل القصر الجمهوري حيث منصة الإحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لإجتياح 13 تشرين الأول 1990.

غير أن "الجنرال"، وكعادته، إختار عنصر المفاجأة وأرجأ تعليقه على سقوط التسوية الى وقت لاحق، مقلّلاً من الرسائل السياسية في كلمته التي أعطى فيها الحيز الأكبر لـ"النوستالجيا" وإستخلاص العبر من ذكرى 13 تشرين.

أسباب عدة بحسب مصادر قيادية رفيعة المستوى في "التيار الوطني الحر"، دفعت "الجنرال" الى تأجيل الإعلان عن موقفه مما حصل، أولها، عدم إستغلال الذكرى في السياسة، والتركيز على تكريم شهداء 13 تشرين الذين من أجلهم أقيم الإحتفال، ومن أجلهم أيضاً، وقع الخيار على مدخل القصر الجمهوري نظراً الى رمزية المكان الذي سقط فيه عدد كبير من العسكريين والضباط في ذلك اليوم الأسود من تاريخ ​لبنان​.

السبب الثاني، يعود الى معرفة العماد عون مسبقاً، بحلوله ضيفاً مساء اليوم، على برنامج حواري تلفزيوني، حيث يأتي الكلام السياسي في إطاره الطبيعي. وفي هذا السياق تكشف المصادر القيادية في "التيار" أن رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح"، حتى في إطلالته الليلة، لن يقول كل ما لديه في السياسة عن ملف الترقيات وقيادة الجيش.

أما السبب الثالث، فيبدأ من حيث إنتهى السبب الثاني، أي من عدم قول "الجنرال" كل ما لديه، والهدف من هذا التكتيك، هو عدم كشف كل أوراقه أكان في ملف الترقيات أو في ما يتعلق بمصير حكومة ​تمام سلام​، وما إذا كان تطيير التسوية أدخلها في حال من الغيبوبة والشلل الكلي، أو أن هناك من وصفات سياسية بعد، يمكن أن تقدم للرابية لإنعاش الحكومة في اللحظات الأخيرة؟

سبب رابع يضيفه العونيون الى لائحة الأسباب هذه، يتعلق بعامل الوقت. فالعماد عون الذي كان منكباً على مواكبة تفاصيل التحضيرات لذكرى 13 تشرين، لم يسمح له الوقت بإجراء الإتصالات السياسية اللازمة لإتخاذ الموقف، لأن التسوية سقطت قبل أيام قليلة من موعد التظاهرة-الذكرى، وبالتالي لضيق الوقت دوره بهذا التأخير في الإعلان عن الموقف.

إذاً كلها أسباب مقنعة ومشروعة في السياسة كي يرجئ العماد عون موقفه، وكي يتحكم شخصياً بعاملي الزمان والمكان للإعلان عنه، لكن السبب الأبرز والأهم لهذا التأجيل، يقول المقربون منه، يكمن في هذه المعادلة التي يردّدها "الجنرال" دائماً في مجالسه الخاصة. معادلة تختصر على الشكل التالي:

"لا تكشف يوماً لخصمك أموراً ثلاث:

أولاً- نقاط قوتك

ثانياً- نقاط ضعفك

ثالثاً- ما الذي تريد أن تفعله".

وانطلاقاً من هذه المعادلة، فإنّ "الجنرال" لم ولن يكشف أوراقه كلّها، لأنّه يصرّ على ترك الكثير منها في إطار "المفاجآت" التي يعد بها الجميع، حلفاءً وخصومًا.