هل بدأ المطبح الرئاسي العمل ام ان ما يجري من لقاءات وحراك عابر لحدود الانقسام السياسي العامودي بين 8 و14 آذار مرتبط بموجبات التسوية التي يمكن ان تمهّد لهذا الاستحقاق؟

حتى الآن لا توجد معطيات جدّية وواضحة على قرب حسم الاستحقاق الرئاسي، وان كان الحديث قد ازداد عن قرب موعده واحتمال انتخاب الرئيس مع مطلع العام الجديد، واللافت في هذا المجال ما سجل من مواقف وتطورات على صعيد الساحة السياسية الداخلية، لا سيما في الاسابيع الثلاثة الاخيرة.

ومما لا شك فيه ان لقاء الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه في العاصمة الفرنسية يشكل حلقة مهمة في هذا الحراك، ويطرح علامات استفهام جدية حول امكانية حصول متغيرات سياسية في المرحلة المقبلة من شأنها ان تخلق ارضية مناسبة للبدء في رسم خارطة محتملة لانتخاب رئيس الجمهورية.

ويقول مصدر سياسي مطلع انه لا يجوز التقليل من اهمية هذا اللقاء او المبالغة في تقدير نتائجه، مع التأكيد من الحالتين ان حصوله بعد القطيعة الطويلة بين الرجلين يعتبر حدثاً مهماً يجب التوقف عنده على كل المستويات.

وبرأي المصدر ان وضع هذا اللقاء في خانة رغبة الحريري في ارسال بعض الرسائل لا سيما الى حليفه الدكتور سمير جعجع وضعه العماد ميشال عون على خلفية التقارب الحاصل بيــنهما وتداعـــياته الاخيرة هو تقزيم للحدث الباريسي، لان ما حصل يتجاوز هذا الهدف.

فلو اراد زعيم تيار «المستقبل» ان يسجل اعتراضاً او تحفظاً على ما صدر من جعجع مؤخراً من انتقادات جارحة بحق بعض المسيحيين المحسوبين عليه وفي مقدمهم نائب رئيس المجلس فريد مكاري لكان عبّر عن ذلك بوسائل اخرى ولم يغامر بعقد مثل هذا اللقاء الذي يعتبر انعطافاً مهما في مسار العلاقات مع احد ابرز الرموز في 8 آذار.

كما انه لا يحتاج اصلا لارسال مثل هذه الرسالة للعماد عون يقول المصدر، بعد ان «افتت» المملكة العربية السعودية بوقف التواصل معه، واسقطته من حساباتها لرئاسة الجمهورية اللبنانية.

وبرأي المصدر ان لقاء الحريري - فرنجيه يتجاوز لعبة الرسائل، ويؤسس لبداية علاقة جديدة بين الرجلين يمكن ان تتطور الى حدود الاتفاق على قواسم مشتركة تساهم في رسم معالم التسوية الشاملة التي تحدث او دعا اليها السيد نصرالله في مبادرته الاخيرة.

ما الذي ساهم في ترتيب وعقد هذا اللقاء؟

تقول المعلومات ان الاجتماع لم يكن وليدة الصدفة او المبادرة العادية، وانه جاء نتيجة عوامل عديدة ابرزها، من جانب الحريري:

1- صحيح ان العلاقة بين الحريري وفرنجية تميزت بالندّية والخصومة السياسية، غير ان قنوات التواصل بقيت بين رئيس «المردة» وبعض رموز تيار المستقبل لاعتبارات تتعلق بالعلاقات الشخصية وغيرها.

2- لاحظت اوساط الحريري والدائرة الضيّقة المحيطة به ان مواقف فرنجية منذ فترة تميزت مؤخراً على الصعيد الداخلي بالاعتدال وبلهجة غير نافرة على عكس لهجة العماد عون التي اشتدت بعد ان قطع الامل من تحقيق خرق جدي في حوار السعودية على صعيد كسب ودّها في معركة الرئاسة.

3ـ لاحظ فريق الحريري ان موقف فرنجية خلال مناقشة بند رئاسة الجمهورية في الحوار كان مختلفاً عن العماد عون، فهو لم يشاركه في مطلب الاستفتاء الشعبي ولا في مطلب اجراء انتخابات نيابية قبل الاستحقاق الرئاسي، لا بل كانت ملاحظاته حول مواصفات الرئىس متمايزة ايضاً عن «الجنرال».

وفي تقويمه لموقفه وجد هذا الفريق ان فرنجية بدا اكثر اعتدالاً وموضوعية بنظره من العماد عون الذي ذهب بعيداً في رسم خارطة الطريق الى انتخاب رئيس الجمهورية.

ولا شك ان هذا المنحى شجع الحريري اكثر على لقاء فرنجية، وكيف لا؟ طالما انه سبق وعقد لقاءات حوارية طويلة مع العماد عون في ظروف ومواقف اصعب.

4ـ الاهتزاز الذي اصاب ويصيب العلاقة بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، بعد الانتقادات التي وجهها جعجع للمسيحيين المستقلين شاملا بذلك النواب المسيحيين المنضوين في كتلة الحريري.

5ـ النظر بحذر الى التفاهم بين جعجع وعون بعد وثيقة «اعلان النوايا»، خصوصاً ما حصل قبل وخلال وبعد الجلسة التشريعية من تباين في الموقف بين المستقبل و«القوات».

6ـ ترجمة موقف الحريري في الردّ الايجابي على مبادرة نصرالله، وادراج هذا اللقاء في خانة تأكيده على التلاقي لانتاج تسوية تكون الاولوية فيها انتخاب رئيس الجمهورية.

اما على صعيد رؤية فرنجية تجاه هذا اللقاء فيمكن تسجيل النقاط التالية:

1ـ شعور فرنجية بعد وثيقة «اعلان النوايا» بين عون وجعجع بأن الطرفين لم يراعيا علاقة كل واحد منهما بالحلفاء، وتركيزهما على الافادة من هذه العلاقة المستجدة بينهما ربما على حساب الاخرين.

2ـ حرص رئيس «المردة» بعد التجارب الاخيرة على خصوصية موقعه، ليس على مستوى التحالف الذي يجمعه في اطار فريق 8 آذار فحسب بل ايضاً على صعيد العلاقات مع باقي الاطراف السياسية.

3ـ ممارسة فرنجية سياسة الابواب المفتوحة مع الجميع، من دون التخلّي عن ثوابته السياسية، خصوصاً المتعلقة بنهجه تجاه التطورات في المنطقة لا سيما في سوريا.

ويشار في هذا المجال الى نموذج العلاقة بين جنبلاط وحزب الله حيث ان الاختلاف في نهج كل منهما بالنسبة للازمة السورية لم يمنعهما من التواصل والتلاقي في العديد من القضايا الداخلية.

4ـ الرغبة في ممارسة سياسة واقعية تجعله في دائرة المرشحين الجديين للرئاسة لا بل توفر له حظوظا اضافية في السباق الى بعبدا.