لا يزال خبر تبني "تيار المستقبل" خيار رئيس "تيار المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ لرئاسة الجمهورية، يأخذ مداه على الساحة المحلية اللبنانية، لانه ظهر بشكل مفاجئ بالنسبة للجميع، ولعل ابرز دليل على ذلك يكمن في تعدد التحليلات والروايات والاسباب التي ادت الى ظهور مثل هذه المبادرة.

الثابت حتى الآن ان المبادرة موجودة وفرنجية مرشح جدي، وغير الثابت هو مدى امكان وصول الامور الى خواتيمها ومن يدعم هذا الترشيح ومن يقف ضده. ولكن، بغض النظر عن المواقف المعلنة والمبطنة من الترشيح، يجدر التوقف عند الأثمان التي ستدفع في حال موافقة الاطراف على هذا الحل، ومن الذي سيدفعها؟

اللاعبون الاساسيون على الساحة معروفون وهم: "حزب الله"، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، اضافة الى صاحب المبادرة رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري.

"حزب الله" لن يكون متضايقاً بطبيعة الحال من وصول فرنجية الى السلطة، لا بل اذا ما تم الاتفاق على نائب زغرتا، سيكون من المصفقين لانه سيزيح عن كاهله عبء الاتهام بعرقلة وصول رئيس، كما انه يكون قد وفى بوعده لحليفه العماد عون بعدم التخلي عنه الا في حال قرّر هو بنفسه دعم احد سواه. ولن يأخذ الحزب وقتاً طويلاً لتخطّي المفاجأة التي فوجىء بها كغيره من قوى "8 آذار" بطرح النائب الحريري لفرنجيه كمرشح تسوية.

رئيس مجلس النواب من جهته سيكون ايضاً من المرتاحين، فهو يفضل طبعاً التعامل مع فرنجية على التعامل مع عون، كما ان بري اعتاد على التعاطي مع فرنجية كنائب واختبر العلاقة معه كوزير ايضاً في ظروف استثنائية، ناهيك عن الارتياح لمواقف فرنجية في جلسات الحوار التي يتناغم فيها مع طروحات وافكار بري الذي لن يجد صعوبة كبيرة ايضاً في التوصل مع فرنجية الى صيغة جديدة لقانون انتخابي يتم فيه "تدوير الزوايا" وارضاء الجميع.

تتقاطع الاراء حول ان الطرف الاصعب في هذا السيناريو، هو عون نفسه. فكيف يمكن ارضاء رئيس تكتل "التغيير والاصلاح"؟ يطرح البعض ان يتم العمل على تعيين العميد المتقاعد شامل روكز قائداً للجيش (بعد ايجاد الصيغة المناسبة التي تسمح بتحقيق هذا الهدف) أو وزيراً للدفاع، وان يضمن الوزير جبران باسيل مقعداً شبه دائم له في حكومات العهد، وان تراعى نسبة التمثيل العوني في الحكومات والادارات العامة، اضافة الى الوقوف عند رأي عون في قانون الانتحاب الجديد.

ولكن كل هذه الطروحات قد لا تجد طريقها الى الرابية، ومن المبكر القول ما اذا كان عون سيقبل بالتخلي عن الرئاسة التي يعتبر انه احق بها من غيره، وما اذا كان سيفضل التقارب مع "القوات اللبنانية" كقوة ضغط مسيحية رغم تباعد الاهداف السياسية بينهما.

قد يعتبر البعض ان وصول فرنجية الى قصر بعبدا يعني ان جعجع هو الخاسر الاكبر، لانه ينتمي الى خط سياسي مغاير كلياً، اضافة الى الخلافات غير الخفية بينه وفرنجية رغم محاولات التقارب التي كسرت الجدار الحصين الذي كان قائماً بينهما على خلفية اغتيال والد النائب الزغرتاوي. وبعد ان كان مرشحاً للرئاسة، سيجد جعجع نفسه امام واقع جديد، وقد يعرض عليه ان يتم ادخاله بشكل اكبر في الحياة الرسمية، اضافة الى بدء صفحة جديدة من العلاقات وتعزيز الدور المسيحي.

اما الحريري، فهو سيكون الرابح الاكبر لأسباب عدة اهمها انه يكون قد استرجع مكانته وفرض نفسه كلاعب اساسي على الساحة، فهو الذي طرح المبادرة واستطاع اقناع تياره بها، واذا صح ان السعودية اعطت مباركتها للمبادرة، فإن الفضل يعود اليه بطبيعة الحال.

واذا كان الحريري ضامناً لترؤسه الحكومة في عهد فرنجية، فإنه سيضمن ايضاً في المقابل حصة وازنة في الانتخابات جراء التوصل الى قانون انتخابي يأخذ في الاعتبار وجوب ترؤسه لكتلة وازنة ومهمة، كي يبقى الطرف الاقوى على الساحة السنّية في ظل المنافسة الكبيرة التي تعترضه من قبل اكثر من شخص، بينهم من "تيار المستقبل"، كما انه سيكون صلة الوصل الوحيدة بين لبنان والسعودية وسيتعزز دوره الاقليمي والدولي، كما ان الشق المالي والاقتصادي سيشهد تحسناً ملموساً وواضحاً دون شك.

واذا لم نذكر رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ في هذه الاسماء، فليس الامر من باب عدم استفادته من الأثمان التي ستدفع، بل لانه يعلم تماماً ماذا يريد وما الذي سيحصل عليه، وهو ضامن ان تحالفه مع بري سيحفظ دوره في المعادلة اللبنانية كما حفظه دائماً، وسيكون حتى اشعار آخر بيضة القبان، كما سيضمن مستقبل ابنه تيمور.

يبقى القول ان كل هذه الآراء والأفكار مجرد رؤية سياسية لن يكون من الممكن معرفة صحتها اذا لم تكتمل الصورة بشكل رسمي حول استعداد الجميع للسير بفرنجية كرئيس، ومدى رغبة السعودية في دفع كل هذه الأثمان التي ذكرت. وفي حال العكس، سيكون فرنجية هو الخاسر الاكبر لان عدم وصوله الى بعبدا سيعني احتراق ورقته الرئاسية بشكل اكيد.