ليست الحركة على خط الصيفي-الرابية-معراب بريئة، ولا انطلاقة القائم بالأعمال الأميركي الجديد من بنشعي صدفة. فما تشهده الساحة السياسية من تطورات متسارعة على خلفية لقاء رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ برئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ الباريسي، افتقدته لأكثر من عام ونصف، رغم اختراق التقارب العوني-المستقبلي في فترة من الفترات رتابة الصورة.

ولا يبدو ان الايام المقبلة وما ستحمله من تموضعات سياسية جديدة ستشبه بشيء ما كانت عليه الأشهر الماضية، ولعل مسارعة "الكتائب" و"التيار الوطني الحر" و"القوات"، المتضررين الاساسيين من ترشيح فرنجية للرئاسة، لفتح حلقات نقاش حول قانون الانتخاب، أكبر مؤشر لعدم جهوزية أي منهم لتقديم أي تنازل يُذكر على صعيد الرئاسة وبالتحديد لصالح زعيم "المردة". فالاتفاق المسيحي على هذا القانون سيشكّل الضربة القاضية لترشيح الحريري لفرنجية، من منطلق أن التسوية التي يسعى اليها رئيس "المستقبل" تنطلق من مبدأ أساسي يقول بالرئاسة مقابل اسقاط طرح اقرار قانون جديد تجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، مع امكانية التداول بمشروع قانون يسري مفعوله بعد 4 سنوات يراعي الى حد كبير هواجس "المستقبل".

ومن هذا المنطلق، فان الاحتقان والإستنفار اللذين كانا مسيطرين في الرابية مطلع الاسبوع بدآ يتلاشيان ليحل مكانهما نوع من الاطمئنان الى كون رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون عاد ممسكا بزمام اللعبة التي كادت تخرج من بين يديه. لذلك تراه يردّد أمام سائليه أنّه مستعد لدعم ترشيح فرنجية في حال نجح الأخير باقناع الحريري بالسير بقانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية، لاقتناعه بأن ذلك من المستحيلات بالوقت الراهن.

وبهذا يكون مخطط رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ يسير أفضل مما خططا له. فبعد أسبوعين او ثلاثة، يخرج الحريري أو على الأرجح أحد نوابه ليعلن فشل تسويق فرنجية لغياب الإجماع المسيحي حوله، لتتكرر بذلك التجربة السابقة لعون.

وبالرغم من ادراك فرنجية والمحيطين به لكل ما يتم اعداده في هذا السياق، فهم لا يترددون بالمضي باستنفارهم تحضيرا للانتقال الى قصر بعبدا خلال أشهر قليلة، فالدعم الاميركي الواضح لرئاسة فرنجيّة يعطيهم جرعة دعم مفرطة اضافة لحديث "المستقبل" عن دعم سعودي لطرح الحريري، لتأتي مباركة دمشق تتويجًا لحلم فرنجية الرئاسي. وفي هذا السياق تقول مصادر مطلعة على ما يجري: "لا شك ان الحركة التي نشهدها اليوم، لم نعرفها في مرحلة تقارب عون–الحريري، لذلك من المفضل الاستعداد لمفاجآت غير محسوبة، بالرغم من اقتناعنا بأن كل المعطيات تؤشر الى ان العملية الحاصلة لا تهدف الا لاحراق الورقة الأخيرة للمرشحين المنضوين في نادي الأقوياء، وتعبيد الطريق أمام أحد المرشحين التوافقيين".

وهنا تنبّه المصادر من "ردة فعل" فرنجية والمحيطين به في حال كان هذا حقيقة هو الهدف من مناورة الحريري، وتجزم انّه "على العابثين معه الاستعداد لردة فعل مختلفة عن تلك العونية التي اقتصرت تمردا من داخل المؤسسات".

وحتى يتّضح مدى جدّية وجدوى المبادرة الحريرية الرئاسية، سيستمر تحالف المتضررين من ترشيح فرنجية (عون-الجميل-جعجع)، نشيطا، بمقابل تمديد "حزب الله" سياسة الصمت المطبق بالتعامل مع المستجدات تفاديًا للاحراج.