ليست التسوية التي طرحها الرئيس سعد الحريري مع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بالأمر المتيسّر النفاذ بسهولة، فهي تحتاج الى تسويق على ضفّتَي 8 و14 آذار في آن معاً حتى يُكتب لها النفاذ أو الفشل.

فيما تستغرب أطرافٌ في فريق 14 آذار كيف أنّ الحريري يقبل فجأة بفرنجية رئيساً للجمهورية بما يرمز إليه الرجلُ سياسياً داخلياً وعلى مستوى علاقاته الإقليمية، وتحديداً مع القيادة السورية، فإنّ أطرافاً في 8 آذار تستغرب في المقابل قبولَ الحريري المفاجئ بفرنجية المعروف بخصومته السياسية الحادة له ولتياره الذي لا تروقه العلاقة المتينة التي تربط بينه وبين الرئيس السوري بشار الاسد.

كذلك تستغرب هذه الأطراف ما يُقال من أنّ القيادة السعودية تؤيّد إنتخابَ فرنجية رئيساً للجمهورية بموجب التسوية التي طرحها الحريري معه في لقاء باريس الأخير وسيُعلنها رسمياً في طلّة إعلامية خلال هذا الأسبوع، وبعد أن تكون قمة المناخ المنعقدة في باريس قد انتهت، وهو سيلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على هامشها اليوم.

والحذرُ في شأن هذه «التسوية الحريرية»، إذا جاز التعبير، موجودٌ لدى فريقَي 8 و14 آذار، والكلام المتداوَل عن مواقف الفريقين ولا سيما منها المواقف المعترضة متشابه شكلاً ومضموناً، ومنه أنّ مَن يعارض التسوية الآن أو يتحفّظ عنها سيقبل بها بعد قليل، وهو كلام يُقصَد به بالدرجة الأولى «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وكذلك على حزب الكتائب الذي يبدو موقفه مائلاً الى مماشاة التسوية واللحاق بركبها بعد أن يطمئنّ الى مكاسب يسعى بعيداً من الأضواء الى تحقيقها من خلالها.

لكن على رغم كلّ الإيجابيات المتصاعدة هنا، والسلبيات التي تتجمّع هناك، فإنّ أوساطاً سياسية تعتقد أنه قد تكون وراء التسوية أهداف أخرى تتجاوز موضوع رئاسة الجمهورية الى إحداث واقع جديد في مستقبل العلاقات بين مختلف القوى السياسية، فالمشهد العام المحيط بـ «التسوية» يشير الى أنّ عقدَي فريقَي 8 و14 آذار مهدّدان بالإنفراط قبل أن تتحوّل هذه التسوية واقعاً على الأرض.

ففريق 14 آذار تصدّعت أركانه، رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يأخذ على الحريري «تفرّده» بالدخول في «تسوية» مع فرنجية من دون تشاور مسبَق مع مسيحيّي 14 آذار، وحزب الكتائب الذي سارع رئيسه النائب سامي الجميل الى الاجتماع بالحريري بعيد لقائه وفرنجية يتّخذ موقفاً «رمادياً» من تلك التسوية، البعض يراه مائلاً الى الأبيض، وربما يتحوّل أبيض ناصعاً في حال لم يحصل تحالف «عوني- قواتي» لإطاحة تلك التسوية على غرار ذلك التحالف الذي أطاح عام 1988-1989 معادلة «إما مخايل الضاهر وإما الفوضى» الأميركية - السورية الشهيرة.

والحريري من جهته لا يعير الاعتراض «القواتي» والكتائبي اهتماماً كبيراً، وقد مرّر بطريقته الى فرنجية قبل أيام ما معناه أنّ حزب الكتائب سيسير في التسوية ولا مشكلة مستعصية فيه، أما الموقف «القواتي» فسيتكفل الحلفاء الإقليميون بمعالجته على طريقتهم من خلال ما لهم من «دالّة» على جعجع.

أما على جبهة فريق 8 آذار، فإنّ الهواجس كثيرة إزاءَ التسوية لعلّ أبرزها أنّ القيمين عليها ربما يرمون من خلالها الى وقيعة، بل قطيعة، بين حزب الله وفرنجية وبين الأخير وعون، وكذلك بين «الحزب» و»التيار الوطني الحر»، الى درجة يبدو أنّ «الحزب» هو الأكثر حراجة في الموقف إزاءَ حليفَيه المسيحيَين الكبيرين. فعون كان ولا يزال متمسكاً بترشيحه الرئاسي ما يعني أنه لا يؤيّد تسوية الحريري التي ترشح فرنجية لرئاسة الجمهورية.

وفي المقابل فإنّ فرنجية يرى أنّ الفرصة دنت منه وأنّ على حليفه عون الذي كان حاور الحريري في ترشيحه وانتهى الى فشل، أن يبادرَ الى تبنّي ترشيحه. كذلك يرى فرنجية أنّ على «الحزب» أن يبادرَ الى إقناع عون بالانسحاب من السباق الرئاسي لمصلحته.

وما يخشاه فريق 8 آذار أن تكون الغاية من التسوية تفكيك أواصره وعزل «حزب الله»، لأنّ الحزب لا يمكن أن يتخلّى عن دعمه ترشيحَ عون طالما أنّ الأخير مستمرٌّ فيه، ولا يمكنه في المقابل أن يدعم ترشح فرنجية إذا لم يسحب عون ترشيحه، وفي هذه الحال يحافظ الحزب على تحالفه مع عون وقد يخسر حلفَه مع فرنجية.

ولكن ما يمكن أن يريحه هو أن يتبنّى عون ترشيح فرنجية، وهذا ليس متوقَعاً حتى الآن، أو أن ينسحب فرنجية ويستمرّ في موقفه الأساسي الداعم لعون، وهذا ليس متوقَعاً إستمراره.

لكن ما تمخّض عن اللقاء بين وزير الخارجية جبران باسيل وفرنجية ليلَ أمس أظهر أنّ الأوّل عتب على الثاني لأنه لم يستشر عون مسبَقاً في أمر اجتماعه الباريسي مع الحريري، فردّ فرنجية بأنّ عون كان فعل الشيءَ نفسَه حين اجتمع في وقتٍ سابق مع الحريري من دون أن يستشيره.

وزاد فرنجية أن لبّى دعوة الحريري للإطّلاع على ما لديه، وكان أن عرض عليه التسوية والتي تصدّر بنودها انتخابه رئيساً للجمهورية، فقبل بهذه التسوية لكنه أكد للحريري أنه لا يستطيع اتخاذ قراره النهائي إلّا بعد إستشارة حلفائه وعلى رأسهم عون.

وكرر فرنجية التأكيد لباسيل «أنّ مرشحي هو العماد عون طالما أنه مستمرٌّ في ترشيحه، وإذا لم تتسنّ له فرصة الفوز يكون عندها لكلّ حادث حديث». وأضاف: «بعد أيام سيعلن الحريري مبادرته ومن ضمنها تأييده ترشيحي للرئاسة وسأعطي عون مهلة أسبوعين ليحدّد موقفه وبعدها سأتصرّف».