يا حبذا لو يطول اعتكاف الوزير اشرف ريفي ليجنب القضاء والمحاماة وكل اقواس العدالة تبعات اجتهاداته واقواله وتصريحاته. فبعد جلسة امس الاول التي اعلن فيها ريفي انشقاقه عن تنسيقية "المستقبل" الحكومية، لم يعد باستطاعة زعيم التيار سعد الحريري والمنضوين تحت عباءته السعودية، ان ينكروا جميعاً انهم امام مآزق لا تنتهي: من المال الشحيح، الى توقف كل التجارات والعقارات والاتصالات، الى استمرار حالة العصيان داخل اروقة البيت الازرق من حالة النائبين خالد الضاهر ومعين المرعبي مروراً بالريفي الطرابلسي. ففي علم السياسة التي ينتهجها الحريري يؤكد انه يؤمن بالولاء الملكي الاعمى من الرئيس الى المرؤوس، فلا مكان للاجتهاد او التفرّد او التغريد خارج السرب بل إطاعة عمياء للاوامر وتنفيذها من دون اعتراض او تردد. فالاعتراض يأتي بعد التنفيذ اسوة بالانظمة العسكريتارية التي يدّعي الحريري وعرّابوه السعوديون انهم يحاربونها، ويسعون الى محاربة الديكتاتوريات في المنطقة لدرجة قيادتهم لكل الانقلابات التي تحصل في المنطقة من اليمن الى مصر فسورية.

في خلفية تربيته العسكرية لم يشعر اللواء ريفي الا "بنعمة الديمقراطية". فكان مثالاً للضابط المجتهد الذي بدأ "حربيته" مثالياً كما يصفه رفاق دورته. لكنه بدأ بالتغير شيئاً فشيئاً مع تقدمه في الرتبة الى ان وصل الى رتبة لواء. وكغيره من الضباط الذين يسعون الى الكراسي لم يفوّت وسيلة ليكون تابعاً ومرؤوساً حتى نال الترقية القصوى في سلك لا يمكن لاحد ان "يغبّر" على مناقبيته وتفانيه وخدمته للوطن، رغم بعض التجاوزات التي يتم معالجتها شيئاً فشيئاً من دون حلها بالكامل.

فرضية وجوب انصياع الضابط في اي سلك كان لمرجعيته الطائفية والسياسية كونه ينتمي الى طائفة ودين الزعيم والمسؤول، هي من تجعل بعض الطامحين يسلكون دروب الالتحاق بالركب الاعوج. فلو تعتمد معايير الكفاءة والانضباط بحذافيرها وفق ما ينص قانون الدفاع الوطني لما كان بعض كبار الضباط على ابواب الزعامات لنيل الترقيات.

في حالة الوزير واللواء اشرف ريفي ضاق الرجل ذرعاً من طريقة تلقيه الاوامر، فصار يشعر بعدما صار طرابلسياً "عن حق وحقيق" انه صاحب الامر في المدينة وانه يمتلك حيثية شعبية وسياسية اكبر من التيار الذي اتى به الى الوظيفة العسكرية واليوم الى الوظيفة الوزارية. فخرج اللواء عن طوره عندما شعر ان رئيسه الحريري وفريقه المساعد لم يتمكنوا من مجاراته في تحويل ميشال سماحة الى المجلس العدلي ليربي غيره ويؤكد ان الامر في لبنان للمستقبل ولفريق السعودية وقبلهما اشرف ريفي. ليتناسوا جميعاً ان قضية سماحة مستمرة امام القضاء العسكري ومحكمة التمييز فيه رغم كل التنتيعات والمزايدات والاستثمار في تعرية القضاء العسكري والمحكمة العسكرية. ويا حبذا ايضاً لو ان المثالية التي يتحفنا فيها بعض الساسة الجهابذة تنسحب على كل الامور. فإذا قلنا قضاء يعني الكل سواسية امامه. فليس هناك من اناس بسمنة وآخرين بزيت. واذا خضنا في الفساد والنفايات ووسط بيروت واوجيرو وكهرباء لبنان وهيئة النفط ومراسيمه وتلزيمات البلوكات وترحيل النفايات ومكبات الفضيحة الطائفية، كلها يعني كلها.

الاستنسابية والمزاجية والازدواجية في انتقاء القضايا والقوانين على المستوى الوطني دستورياً وقضائياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وحتى امنياً وعسكرياً، تجعل من لبنان ومؤسساته المترهلة اصلاً بلداً لقبائل غير متعارفة ومتعايشة من جيل الهكسوس والمغول والهنود الحمر وفي صراع على المغانم والحصص والمكاسب.

فإذا ظهر فريق لبناني اساسي بمظهر المهزوز امام جمهوره الداخلي اولاً وامام شعبه الوطني كله ثانياً. فكيف يخرج ويدّعي انه يمثل شارعه وانه يحتكر هذا التمثيل ووحده يستطيع تسييله نيابياً ووزارياً ورئاسياً وبلدياً. فإذا خرج الحريري ليتبرأ من إعتكاف ريفي، لا يعني انه استعاد الهيبة امام جمهوره الطرابلسي الذي اعلن ثلاثة منه امس تحالفهم بلدياً طبعاً ضد التطرف وضد "المستقبل". فماذا يعني اعلان فيصل كرامي تحالفه مع نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي؟

على مقربة من ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي لم يتبق منها الا ذكر المرحوم الطيبة بعد سقوط كل المشاريع الطفيلية على ارجائها، يحضر الى الواجهة مأزق الحريري في تحصين بيته ومنع تصدعه الى بيوتات طرابلسية وعكارية وبيروتية وصيداوية، وكذلك اعادة النظر بالخيارات السياسية والمالية والاقتصادية وضبضبة "الرزق السايب" كي لا يطمع فيه السارقون واولاد الحرام كما يقول المثل الشعبي المأثور.