الطريق الى جزين غريبة. بالكاد تفصل بين لوحةٍ إعلانية لمرشّح التيار الوطني الحرّ أمل أبو زيد وأخرى أمتارٌ معدودة. لا صور جديّة لمنافسين جديّين. فصلاح جبران “وصلت مواصيله” الى أوتوستراد الجية فيما بدا مقلًا على طريق منطقته، أما ابراهيم عازار فيتبنى استراتيجية أخرى سلاحُها “الأوفياء” من العائلات في المدينة المركزية تحديدًا من دون “لعبة” الصور.

لا يغرّد الثلاثي أبو زيد-جبران-عازار وحده في انتخابات جزين الفرعية، بل ينضم اليه مرشّحان حتى كتابة هذه السطور يحلقان خارج دائرة المنافسة الفعليّة. لأمل أبو زيد حكاية أخرى. فابن مليخ غير الوافد حديثًا الى دنيا الخدمة العامة يؤمن بقاعدة حزبيّة توافقيّة أثمرها التوافق العوني-القواتي ستكون كفيلة بظفره، رغم الخروق التي ستسجلها العائلات متى “لم يحلب القواتيون وحزب الله” مع التيار صافيًا.

أريحية عونية

بثقةٍ يتعاطى العونيون مع الاستحقاق “الفرعي” لا بل بأريحية ينظرون الى المشهدية التي سيُثمرها ذاك اليوم الماراتوني. تلك الثقة لا تُسقِط كل الخشيات المحيطة باسم أبو زيد والتي ترتسم على شاكلة اعتباراتٍ قد لا تصبّ في خانته. فالرجل ليس ابن المدينة نفسها بل وافدٌ من القضاء ليرث مقعدًا كان لابن جزين وتحديدًا لأكبر عائلاتها (الحلو)، وهو ما قد يصبّ في خانة نجل النائب السابق سمير عازار أقله في المدينة المركزية، لا سيما أن معلوماتٍ تتحدّث عن أن بعض القواتيين في جزين المدينة سيؤثرون أهواءهم العائلية على التزامهم الحزبي، وعليه قد يمنحون أصواتهم لعازار مع الاعتذار من مكتبهم القواتي. سيناريو يستبعده العونيون بذريعة أن المتحزّب رسميًا في القوات وخصوصًا حامل البطاقة الانتسابية سيلتزم حتمًا بقرار القيادة وسيمنح أبو زيد صوته بلا مهادنة. ولهذه الغاية، وارتقاءً بصورةٍ انتخابية ناصعة لأبو زيد، يُكثَّف العمل على محور عاصمة القضاء ليتمكن أبو زيد من استحواذ العدد الأكبر من أصوات أبناء جزين المدينة وهو ما يمنحه شرعيّة جوهريّة ويُخرِس كل أصوات النشاز المتحدّثة عن الرجل وكأنه “دخيل” على المنطقة، فيما هو في الواقع أحد أبنائها المتجذرين.

محبوب...

يغمز عونيو جزين من قناة فارقٍ قد يتجاوز الآلاف الثلاثة لصالح مرشّحهم متى صدق القواتيون بنسبة تتجاوز التسعين في المئة ومثلهم فعل حزب الله في المناطق الشيعية كعرمتا والريحان وكفرحونة ومليخ واللويزة وغيرها. وفيما تبدو شخصيّة أبو زيد المنتشرة صوره في أرجاء المعمورة الجزينية محبّبة لكلّ قريب وبعيد لا سيّما أن الرجل خدماتي بامتياز وقريب من الناس وناءٍ بنفسه كلّ النأي عن الزواريب الضيقة، لا بل “مختار صلح” في أغلب الأحيان وداخل البيت الواحد، يعد عازار بأن يكون أقرب المنافسين من دون أن تكون حظوظه بالفوز مرتفعة شأنه شأن والده في دورة العام 2009. وما يعرقل وصول الشاب المقرّب أيضًا من الجزينيين إنما يتجسد في وجود مرشّح ثالثٍ لا يبخل هو الآخر على أبناء قريته وجواره وهو قائد الدرك السابق صلاح جبران الذي قرّر أن يخوض معركته منفردًا بعدما كان يبني آمالًا على تبنيه من الرابية.

حركة “الحركة”

وحدها حركة أمل قد تشكّل فارقًا ما من دون أن تبدّل في النتيجة معطًى حاسمًا. فالقلوب بين القاعدتين البرتقالية والخضراء لم تصفَ بعد في المنطقة لا سيما بعد إسقاط العونيين مرشّح الرئيس نبيه بري سمير عازار بفارق شاسع في دورة العام 2009، وما أعقبها من ملفاتٍ وطنية خلافية بين بري والعماد ميشال عون. وبالتالي يتوقع أكثر المتفائلين أن يحظى أبو زيد بنسبةٍ ضئيلة من أصوات أبناء “الحركة” في المنطقة ولا سيما من مليخ وجوارها، على أن تصبّ أصواتهم المتنصّلة من خيار حليفهم الشيعي الذاهب الى إرضاء الجنرال حتمًا، في صالح عازار الابن. سيناريو يبدو أنه لن يجد خبزًا له في المنطقة خصوصًا أن المصوّتين الشيعة المحسوبين على بري في مليخ وجوارها يعرفون أبو زيد خير معرفة وهم في نهاية المطاف أبناء قريته قبل أن يكونوا أبناء طائفتهم، وعليه لا بدّ من منحه أصواتهم بغض النظر عن إيعاز الرئيس بري.

ثلاثية بلدية أيضًا

طويلاً سيكون نهار جزين الانتخابي بعد قرابة أسبوعين. فالحماوة الفرعية معدية والمشهدية البلدية ليست أفضل حالًا لا بل أكثر تعقيدًا مع التسليم بارتباطها بالمعركة “الفرعية” لا سيّما أن عدم التوصّل الى اتفاق بين سمير عازار والثنائية العونية-القواتية هو ما دفعه الى زجّ ابنه في المعركة النيابية بهمسٍ صريح من برّي. هي ثلاثية بلدية أخرى على ما يبدو ستفرض نفسها ضمن لوائح ثلاث ستختبر لا محال على حلبة واحدة ميزان القوة بين الأحزاب والعائلات. تلك العائلات التي ستشكّل نقطة التحوّل في المشهدية البلدية سيكون دورها في النيابة حاسمًا أيضًا لا سيما أن بعضها لم يحسم وجهته بعد، على عكس الكتائبيين على تواضع عديدهم والذين يبدو أنهم متّجهون الى تعويم عازار، فيما يُنتظَر من السرحاليين والكنعانيين وبعض أبناء العائلات الأخرى ممن يحتفظون لأنفسهم بهامشٍ من الأصوات المؤيدة في المدينة والقضاء أن يحسموا الأمر لصالح أبو زيد في واحدٍ من إطارين: قناعة سياسية أو مقايضة لن تتجاوز الإطار البلدي في إحدى اللوائح الثلاث.

“كلّهم أمل”

إذًا، التيار “كلّه أمل” بأن يفوز بأريحيّة وأبعد من ذلك بأن يرسي معادلة تحالفيّة جديدة مع نظيره المسيحي في تجربةٍ قد تُعمَّم على أي انتخاباتٍ مقبلة تفوق المفعول البلدي... وأبو زيد “كلّه أمل” بأن يحظى بثقة الجزينيين وبأن يبرهن للعماد الذي زكّاه بلا ندٍّ بأنه رقمٌ صعبٌ في منطقةٍ يحترمها فتحترمه ويعطيها فتعطيه... وجزين “كلّها أمل” بأن ينتهي شغورها النيابي وبأن يؤمّها نائبٌ خلفٌ للراحل ميشال الحلو وبأن يعود الوئام الى أبنائها رغم أن المعركة البلدية لا تبشّر بمثل هذه اللُحمة التي يُدرجها مفتعلو عكسها في خانة “الديمقراطية” فيما هي في الحقيقة مزيد من الشقاقات داخل العائلة وفي البيت الواحد، وهو ما قد يؤثر على نسبة الأصوات التي سينالها أبو زيد لا سيّما متى أتى الحديث الى تصدّع البيت البرتقالي الواحد بلديًا. أيًا يكن، قد تخيب التوقّعات الرقمية في الرابية ومعراب اللتين تختبران مفاعيل تحالفهما ميدانيًا للمرة الأولى في “فرعية جزين” من دون أن تقللا من شأن المنافسَين الشرسين، ومع ذلك تبدوان متفائلتين و”كلهما أمل” بألا تؤثر أصوات “أمل” على أريحية أمل في جزين وقضائها، علّ هذه التجربة تشجعّهما على مزيدٍ من التحالفات المُجدية والفاعلة في نطاقاتٍ تفوق توقّعات المصطادين في مائهما الصافي.